ونحن في خضم الانتكاسات العديدة في المنطقة، والصعوبات السياسية والأمنية والاقتصادية الهائلة التي نمر بها، تأملت مرة ثانية في ميثاق العمل الوطني في مملكة البحرين الذي نعيش هذه الأيام ذكرى إقراره، ووجدت أنه أعطى للبحرين والبحرينيين، وللعالم أجمع، ثقة بالاستقرار والاستمرارية، وبأننا لا نغير ميثاقنا كما تغير بعض الدول الأخرى توجهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين فينة وأخرى بحسب أهواء السياسيين فيها.
وإذا وضعنا الأمور في ترابتها الزمني الصحيح، نرى أن ميثاق العمل الوطني كان الخطوة الأولى والقاعدة الأساسية لدخول البحرين عصر الحداثة والتطور، برؤية ثاقبة مستنيرة وإرادة صلبة من قبل صاحب الجلالة الملك المفدى، حيث أراد جلالته من هذا الميثاق أن يقرر الشعب بنفسه وبإرادته الحرة مسيرة البحرين نحو آفاق أكثر رحابة واشراقاً.
وإن من وضع بنود هذا الميثاق هم نخبة تمثل جميع شرائح الشعب البحريني بمختلف مكوناته، وحصل الميثاق على إجماع شبه مطلق من قبل الشعب البحريني عندما طرح للاستفتاء العام، وتواصلت المسيرة عندما جرت ترجمة بنود الميثاق في دستور العام 2002، ثم إطلاق رؤية البحرين في العام 2008، ويجب أن نتذكر جميعا، ونذكر أولادنا والجيل الجديد أيضا، أن الميثاق الذي أجمعنا عليه جميعا أشبه بعقد اجتماعي جديد وفريد لجميع البحرينيين، وإن هذا الميثاق جاء نتيجة دراسات مكثفة وطويلة، وأثبت فعاليته دائما، وصلاحيته كمرجعية عليا لحل جميع المشاكل ومواجهة التحديات.
وكرجل أعمال، أنظر اليوم لأرى مملكة البحرين تواجه التحديات بصبر ورؤية ثاقبة، وأقرأ تقارير مجلس التنمية الاقتصادية لأرى أن الاقتصاد ينمو رغم جميع التحديات، وأرى مزيدا من الاستثمارات تأتي للبحرين بفضل جهود مجلس التنمية الاقتصادية، وأرى أن هذا المجلس أكثر فعالية وانتاجية من كثير من نظرائه في دول المنطقة.
أنظر إلى قطاع السياحة فأراه يتحسن، والزيادة المضطردة في أعداد السواح دليل على ذلك، كما أننا نرى كثيرا من المجمعات التجارية الجديدة، وسيكون لدينا هذا العام 15 فندقا جديدا، كما أن مشاريع البنية التحتية تحقق قفزات كبيرة جدا، ومساحة المنطقة الصناعية في كل من الحد وعسكر زادت بنسبة 20%، وسنشهد خلال هذا العام افتتاح مطار البحرين الجديد، وكل ذلك يدل على أننا أقوى من أية أزمات.
لقد أسس الميثاق القواعد المشتركة لبناء اقتصاد وطني قوي ومتنوع، قائم على الشراكة وتعزيز دور القطاع الخاص، وقادر على مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية، عبر مبادئ الميثاق التي أشار إليها في فصله الثالث «الأسس الاقتصادية للمجتمع»، المتمثلة في مبدأ الحرية الاقتصادية، والملكية الخاصة، العدالة الاقتصادية والتوازن في العقود، وتنوع النشاط الاقتصادي ومصادر الدخل القومي، والبيئة والحياة الفطرية، والأموال العامة والثروات الطبيعية، والعمالة والتدريب.
ولقد نجح ميثاق العمل الوطني في البحرين بإطلاق عملية تطوير شاملة لتوفير حياة كريمة للمواطنين وتحقيق معدلات نمو اقتصادي قوية، وساهم في إطلاق عملية تنمية اقتصادية راسخة جعلت من الاقتصاد البحريني أنموذجا يحتذى على مستوى الحرية والانفتاح والتنافسية العالية وتأهيل الكفاءات الوطنية، وتنويع مصادر الدخل بعيداً الأزمات المالية العالمية وتقلبات أسعار النفط، ونقل البحرين إلى آفاق أرحب من الاستدامة في التنمية.
وبات القطاع الخاص يلعب دوراً جوهرياً في التنمية الاقتصادية بدليل توفيره لوظائف وفرص عمل أكثر من القطاع العام، وأخذ زمام المبادرة فيما يتعلق بتأهيل الكوادر البشرية في حقول التجارة والصناعة والخدمات وغيرها.
ويضع الميثاق الأسس الاقتصادية التي يجب أن تتمسك بها البحرين، وهو ما تؤكده الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين 2030، ومن أهم هذه الأسس: قيم الحرية والعدالة الاقتصادية واحترام الملكية الخاصة: فالنظام الاقتصادي في الدولة يقوم على احترام الملكية الخاصة، فلكل فرد حرية التصرف في ممتلكاته وفق القانون، وكذلك احترام المبادرة الفردية وحرية رأس المال في الاستثمار وتأكيد دور القطاع الخاص، وتحقيق انفتاح اقتصادي يصاحبه تحول الإدارة العامة إلى المزيد من الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص وتبسيط الإجراءات وتحسين مستويات الأداء وتفادي التداخل في المسؤوليات.
كذلك ضمن الميثاق تنويع النشاط الاقتصادي ومصادر الدخل القومي بما يضمن تفادي التقلبات الاقتصادية العالمية، وتوفير حياة كريمة للشعب، وتوفير مزيد من فرص العمل وبناء قاعدة راسخة للتنمية الاقتصادية. كما تؤكد نصوص الميثاق على أهمية تدريب وتأهيل المواطن البحريني والرقي بمستوى أدائه وقدراته. حماية الثروات والموارد الطبيعية والمال العام، وتبني التشريعات والإجراءات والاستراتيجيات التي تكفل ذلك، بما في إنشاء منظومة المحميات الطبيعية، والمحافظة على البيئات الطبيعية المتنوعة والحياة الفطرية، واحترام حرمة المال العام وصيانته.
لقد أحدث ميثاق العمل الوطني تطورات اقتصادية بالغة الأهمية، وتبوأت البحرين مكانة متقدمة في جميع التقارير العالمية، ووصلت إلى مراتب أولى على مستوى الخليج والعرب والشرق الأوسط، خاصة بالحرية الاقتصادية والتنافسية والموارد البشرية، وإن هذه الوثيقة الوطنية التي تستمد شرعيتها من إرادة الشعب البحريني الحرة، هي وثيقة بحرينية خالصة لا تكمن فقط في طياتها كل الحلول السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأي أزمة أو قضية تواجهنا، وانما هي وثيقة تنظم رتم ومسيرة حياتنا وتعمل على تطويرها ونقلها الى آفاق أرحب بتوافق الجميع.
هنيئا لجلالة الملك المفدى وللقيادة الرشيدة وللبحرينيين جميعا ذكرى ميثاق العمل الوطني، الذي حدد الأسس والمقومات الدستورية التي أرست الديمقراطية في شتي المجالات، ورسم هوية البحرين الحضارية التاريخية العربية الإسلامية، وأكد على الثوابت الاجتماعية، وكان الميثاق ولايزال وسيبقى خارطة طريق لتحقيق المزيد من المنجزات الاقتصادية والتجارية والعقارية والصناعية والمصرفية، وستبقى ثوابته مبعث البناء لبحرين المستقبل، وستبقى البحرين إن شاء الله شامخة محققة إنجازاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية.