قرأت مؤخرا عن جهود حثيثة لإحياء شعار “صنع في البحرين”، وأتمنى رؤية هذا الشعار مكتوبا على تطبيق إلكتروني أو نظام محاسبي أكثر من رؤيته على عباءة نسائية أو علبة “كب كيك”.
العالم يتجه نحو الاستثمار في الابتكار، وأمريكا تجني من بيع براءات الاختراع أكثر مما نجنيه جميعا كعرب من بيع النفط، وأصبحت القيمة السوقية لشركة “أوبر تنكولوجيز” التي تأسست قبل أقل من عشر سنوات 70 مليار دولار، رغم أن الشركة هي مجرد تطبيق إلكتروني، ولا تملك أي سيارة.
شركة تيسلا التي تعتمد على الابتكار في تقديم سيارات تستخدم الطاقة النظيفة تقدم بدورها أيضا مثالا على ذلك، فقد أصبحت الشركة الأعلى قيمة بين مصنعي السيارات الأميركيين مع وصول قيمتها السوقية إلى 51.105 مليار دولار متجاوزة القيمة السوقية لجنرال موتورز التي تأسست في العام 1908 وتملك مئات المصانع وعشرات آلف العمال حول العالم.
أنا لا أتحدث عن تلك الشركات العالمية كنماذج يجب الاحتذاء بها، فكل بلد له خصوصيته وإمكانياته، فرصه وتحدياته، واعتقد أننا في البحرين، بحكم موقعنا الجغرافي، ومحدودية المساحة والموارد الطبيعية، وامتلاكنا لكوادر وطنية مؤهلة ومدربة ومستعدة للعمل والانجاز، علينا أن نفكر بصناعات معرفية، صناعات لا تحتاج كثيرا من العمالة والطاقة والمواد الخام، صناعات يمكن بيع وتداول انتاجها عن طريق الانترنت وليس عبر جسر الملك فهد.
لدي مجمع صناعي في منطقة ألبا، ينتج عددا من مواد البناء، واعرف حجم التحديات التي تواجهها الصناعة في البحرين، لناحية محدودية الأراضي الصناعة وارتفاع أسعار الكهرباء وصغر حجم السوق والتنافسية العالية من المصنعين الخليجيين، ولو عاد الزمن بي للوراء لفضَّلت أن يكون هذا المجمع “حاضنة أو مسرعة أعمال تقنية”.
اعتقد أن مركز “صادرات البحرين” الذي جرى إطلاقه مؤخرا خطوة كبيرة للأمام طال انتظارها، مع ما يقدمه من دعم للمصنعين ومقدمي الخدمات، وضمان إئتماني، وشهادات جودة، ودراسات سوق، وتدريب، ولكني أؤكد أهمية أن يوجه هذا المركز جهده الأكبر إلى دعم الأفكار والابتكارات البحرينية، وتشجيعها على الخروج للأسواق الإقليمية والعالمية، في منظومة متكاملة تشمل أيضا مسرعات الأعمال ومجلس التنمية الاقتصادية وبنك البحرين للتنمية وغرفة التجارة وغيرها.
وعند الحديث عن تحقيق هدف “صنع في البحرين” هناك موضوع آخر أود الإشارة إليه، وذلك بحكم عملي منذ عقود في مجال الإعلان والعلاقات العامة، وأدراكي الكامل لكيفية صناعة سمعة منتج أو خدمة، وربطها مع اسم البلد ذاته، ومثال على ذلك عندما نقول الشاي السيلاني، والعطر الفرنسي، والسجاد الإيراني، وغيرها.
واعتقد أنه من المهم جدا أن نعمل على تحديد منتج أو مجموعة منتجات بحرينية بعينها، ونعمل على دعمها وضمان تميزها، ثم نخرج بها للعالمية بخطة تسويقية تهدف لترسيخ اسم هذا المنتج وربطه في اسم البحرين عالميا.
لنعطي مثالا على ذلك الحلوة البحرينية، فأنا أجدها ذات سمعة جيدة على مستوى الخليج، وأراها في أماكن مثل القرية العالمية في دبي، ومهرجان الجنادرية، وغيرها، ولكن هل هذا يكفي؟ هل طريقة تغليف هذه الحلوة وعرضها وتسويقها تتناسب مع سمعتها العريقة؟ ثم أننا شاهدنا منذ فترة صورا لتوزيع هذه الحلوة على المسافرين عبر طائرات طيران الخليج، وهي فكرة جيدة بالمناسبة، لكن هل كتب لها النجاح والتوسع أم أنها اندثرت؟
أقول صراحة إنه عندما أسافر إلى مكان ما، وأريد آن اشتري هدية لصديق هناك، لا أجد شيء تتميز به البحرين بشكل واضح، هل اشتري له “متاي” مثلا؟. هل الصناعات الحرفية البحرينية مثل الصناديق المبيتة وهياكل البلم والبانوش جديرة بالاقتناء والإهداء؟ لا اعتقد ذلك، فأنا جامع تحف، ولي باع طويل في هذا المجال، كما أنني أعتقد أن السائح لدينا يعاني من الصعوبة ذاتها في حمل تذكار ذي قيمة عن البحرين.
نعلم جميعا أن سعر برميل النفط يحوم حول 70 دولار، لكن هل تعلم كم قيمة برميل من عطر شانيل؟ هل تصدق أن قيمته هي 1.6 مليون دولار؟. بكلمات أخرى انت بحاجة لبيع أكثر من 20 ألف برميل نفط لتحصل على برميل عطر شانيل واحد!، والسؤال هنا: كيف تمكن صناع عطر شانيل من إقناعنا بدفع مبلغ طائل للحصول على زجاجة صغيرة من عطر شانيل؟ إنه سحر مارلين مونرو التي قالت ذات مرة إنها عندما تنام لا ترتدي إلا شيئا واحدا، هو قطرة من عطر شانيل. هذا هو جوهر صناعة الإعلان.
لدينا تحديات كبيرة على طريق النجاح في تطبيق برنامج التوازن المالي ومعادلة الموازنة العامة للدولة بين الإيرادات والمصروفات في العام 2022، وهذا الهدف يتطلب جهدا وعملا كبيرا، وطرح وتنفيذ مبادرات مبتكرة، والابتكار في المبادرات المطروحة، ومن بينها مبادرة “صنع في البحرين” التي تمثل خطوة مهمة يجب أن نكون جزءا منها ونوفر ما نستطيع من دعم لها.