اليوم تفتح مراكز الاقتراع أبوابها للناخبين البحرينيين الذين يلبون الواجب الوطني، ويساهمون في رسم حاضرهم ومستقبلهم ومستقبل أطفالهم من خلال مشاركتهم في الحياة السياسة العامة في مملكة البحرين عبر القنوات الدستورية في مجلس النواب والمجالس البلدية.
وإن من يمشي في شوارع البحرين يشهد بأم عينه، في كل مدينة وقرية وتجمع سكني، عرسا ديمقراطيا بأبهى حلة، حيث انتشرت صور المرشحين ووعودهم وبرامجهم الانتخابية، وأقيمت الخيم والمراكز والمقرات الانتخابية في كثير من الأماكن، وشحذ الجميع همته من أجل الظفر بالكرسي النيابي أو البلدي.
وإن هذا الإقبال الكبير على الترشح، والذي يواكبه إقبال كبير أيضا على الانتخاب، يؤكد أن مسيرة العمل الديمقراطي في مملكة البحرين والتي انطلقت مع المشروع الإصلاحي لجلالة الملك تعزز من نجاحها يوما بعد يوم، ويدل على ارتفاع الوعي بأهمية مجلس النواب والمجالس البلدية في صنع القرار ورسم مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
كما أن الملفت في المشهد الانتخابي في البحرين هو حضور المرأة بقوة، حيث نشهد إقبالا كبيرا من النساء خاصة شريحة الشابات على الترشح للانتخابات، وقد وصل عددهن إلى 47 مرشحة موزعة على 26 دائرة انتخابية، وأغلبهن ممن يحملن شهادات أكاديمية رفيعة المستوى، ويراهن على ارتفاع مستوى الوعي الانتخابي لدى الرجل البحريني والمجتمع ككل، وهذا كله يجعلنا نؤيد وبقوة دعوة المجلس الأعلى للمرأة لأن تترأس السلطة التشريعية نائبة، ولم لا؟
وحسنا فعل المجلس الأعلى للمرأة برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة عندما قام بتخصيص يوم المرأة البحرينية هذا العام للاحتفاء في المرأة في المجال التشريعي والعمل البلدي، واعتقد ان لدينا الكثير من قصص النجاح البارزة لنساء بحرينيات في هذا المجال جديرة بأن يتم تسليط الضوء عليها.
موضوع آخر أثار انتباهي، هو أن مرور سريع على قوائم المرشحين يؤشر، بل ويبشر، بانحسار أعداد من يتخذون الدين مطية لدخول المجلس، ويعملون على كسب أصوات الناس عن طريق الحديث عن تطبيق الشرع، والفتاوى، والتحلل والتحريم، والثواب والعقاب الإلهي.
إن مجلس النواب هو مكان لتلبية احتياجات الناس، لا أن يستغل بعض النواب منصبهم من أجل ما يمكن تسميته بـ “أسلمة” التشريعات، وأنا أدعو النواب إلى الوفاء بقسمهم واحترام دستور البحرين الذي أن “الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع” وليست “المصدر الرئيسي للتشريع”، وهناك فرق كبير بين العبارتين.
أكتب هذ الكلام وفي ذهني ما قام به نواب المجلس الحالي 2014-2018، فما أن دخلوا المجلس حتى وضعوا برامجهم ووعودهم الانتخابية جانبا، وبدأنا نسمع أخبارا عن عزمهم تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للنظر في قضية تلحين آيات قرآنية من قبل طالب في مدرسة خاصة، بعدها طغت على أخبار المجلس عزم عدد من نوابه سن تشريع يمنع “الوشم”.
وكرجل أعمال، تابعت عن كثب مقترح بقانون تقدم به عدد من النواب المحسوبين على التيار الإسلامي يطالبون فيه بـ “أسلمة التعاملات المالية في البحرين”، بمعنى أن تكون كل تعاملات الدولة المالية مطابقة للشريعة الإسلامية، ووضع الأموال الحكومية في بنوك إسلامية فقط.
يعلم النواب أصحاب هذا المقترح تماما أنه لن يمر، وأنه سيرفض من قبل مصرف البحرين المركزي والحكومة، وهذا ما حصل بالفعل، لكن هل يدرك أولئك النواب الأثر السلبي لمقترحهم حتى لو لم يطبق؟ إن جزءا كبيرا من البنوك التقليدية سيغلق أبوابه، كما أن أي مستثمر سيشعر بالقلق على أمواله، والاقتصاد سيضرر بشدة.
إن دور النواب الأساسي هو سن التشريعات ومراقبة عمل الحكومة، ولست في وارد جلد الذات، ولكني اسأل: ماذا فعل نواب المجلس الحالي من أجل القيام بهذا الدور؟ لقد صدرت قوانين مهمة مثل قانون الإفلاس وقانون ضريبة القيمة المضافة في آخر أيام المجلس، كما أن أحدا من النواب لم يحرك ساكنا إزاء تقرير الرقابة المالية بما يتضمنه من حالات هدر وفساد!.
أعود لأؤكد على الأهمية الاستثنائية لمجلس النواب الحالي، فهو يتزامن مع برنامج التوزان المالي الذي أعلنت عنه الحكومة مؤخرا، والذي يهدف إلى تحقيق التوازن بين النفقات والإيرادات في العام 2022، والنواب لديهم مسؤولية كبيرة في مراقبة ودعم برنامج عمل الحكومة المرتقب أن يعرض عليهم، وسن التشريعات الداعمة لهذا البرنامج. لذلك نحن أحوج ما نكون إلى نواب تكنوقراط، يتقنون لغة الاقتصاد، ويقدرون على مواكبة الجهود الحكومية الساعية إلى تجاوز التحديات المالية.
تعجبني الحكمة القائلة “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”، فالموازنة بين احتياجات الجسد والروح مهمة جدا حتى تستقيم الحياة، لا أن يطغى أحدهما على الآخر، ومن هذا المنطلق على النائب النيابي أو البلدي أن يفكر في مصلحة المواطنين، واحتياجاهم من سكن وعمل وخدمات، وأن يضع هذا نصب عينه، وأن يكون معيار نجاحه هو مدى مقدرته على تلبية تلك الاحتياجات.
بالمقابل يتحمل الناخب مسؤولية أساسية في منح صوته للمرشح الذي يحقق تطلعات الوطن والمواطنين، بعيدا عن اية اعتبارات عائلية أو دينية أو طائفية أو مصالح شخصية.
بهذه الطريقة الإيجابية والمسؤولة نسهم جمعيا في بناء وطننا، فنحن أضعف عندما نفكر في مصالحنا الذاتية الضيقة، ونحن أقوى عندما نعمل جنبا إلى جنب على تحقيق مصلحتنا العليا المشتركة.