استدامة النمو

لا يمكن لدولة على وجه الأرض أن تكون سعيدة أو مرتاحة عندما تقدم على فرض ضرائب على مواطنيها أو مؤسساتها، لكن بالمقابل يجب الاعتراف أن فرض الضرائب على مدار التاريخ سمح بتأسيس الدول واستدامة نموها وازدهارها.

في مرحلة ما قبل التاريخ كان من الضروري دائمًا إيجاد بعض وسائل جمع الإيرادات بشكل منتظم حتى تتمكن المجتمعات من مجموعات من المزارعين والبدو من العيش.

لاحقا، أصحبت العديد من الإمبراطوريات عبر العصور ثرية من خلال قهر واستعباد الشعوب المحيطة بها، وكانت هناك دائما ثروات وموارد جديدة طالما استمرت الإمبراطورية في التوسع، ومع ذلك، فإن مثل هذه الإمبراطورية غالبًا ما انهارت بسرعة عندما جفت الثروات المغتصبة، وتوقفت الحدود عن التوسع، وانتفض الناس المستعبدين ضد أسيادهم.

مع بدايات العصور الوسطى في أوروبا كان من الطبيعي أن يدفع الملوك تكاليف الإنفاق الحكومي من العائدات المتأتية من الأراضي الزراعية الغنية التي يملكونها بأنفسهم، ولكن كان من الطبيعي أيضًا أن يمنح الملوك الأرض لأفراد عائلتهم وجنرالاتهم الأوفياء، وبمجرد التفريط بالكثير من أراضيهم يتعين على هؤلاء الملوك أن يرفعوا الضرائب من أجل دفع فواتيرهم أو الإنفاق على حروبهم.

هذه النماذج من الحكم أسفرت عن دول بدائية جدا، ومن المؤكد أنه لم يكن هناك مال لدفع تكاليف صحة المواطنين أو تعليمهم أو طرقهم أو أي شيء آخر، ولم يكن لهذه الممالك الإقطاعية الأوروبية في الغالب جيشًا صغيرًا دائمًا، لذا لم تتمكن من حماية حدودها بشكل صحيح، وعندما تم غزوها أو عندما أرادت غزو بلاد أخرى، كان على فرسان المملكة تعبئة مواطنيهم المستعدين للذهاب إلى الحرب، وعندما فشلوا في ذلك كان عليهم بالطبع اللجوء إلى فرض الضرائب.

لم تصبح المقاطعات الأوروبية دولا بمعنى الكلمة إلا بعد أن بدأت في جباية الضرائب على أساس منتظم وعادل من مواطنيها، كان البدء في هذا على الأغلب لأغراض دفاعية وهجومية فقط، لكن أنظمة فرض الضرائب تطلبت تدريجياً مؤسسات حديثة من أجل جمع وتوزيع الإيرادات.

وغالبا ما رفض المواطنون والأباطرة الأقوياء منح الضرائب، حينها اضطر الحاكم إلى التفاوض مع مواطنيه وممثليهم حول مقدار الضريبة التي يمكن جمعها، وكيفية إنفاقها، وتم إضفاء الطابع المؤسسي على مثل هذه المفاوضات داخل البرلمانات، والتي وضعت العالم الغربي على الطريق الطويل نحو الديمقراطية.

اليوم، يقدم العالم الغربي الرعاية الصحية المجانية والتعليم والبنية التحتية وأنظمة الرعاية الاجتماعية بسبب هذه القوى التي تجمع الضرائب، وتقدم الأحزاب السياسية المختلفة في السلطة أو خارجها جزءا كبيرا من وعودها الانتخابية حول الكيفية المثلى لاستخدام الضرائب لصالح الأمة.

اتبعت دول مجلس التعاون الخليجي نموذجًا مختلفًا تمامًا، ففي البداية كان هناك النفط، واستثمرت أمواله في بناء مستشفيات وطرق ومدراس ومراكز تسوق، ومع ذلك نحن نقترب من يوم لا نستطيع فيه الاعتماد على هذا النفط، لنكون أمام طريقين فقط: إما الاستمرار في إنفاق الأموال التي لا نملكها حتى نفلس ونستيقظ في اليوم التالي في دولة لم تعد قادرة على دفع نفقات وجودها، حيث لا تعليم أو رعاية صحية أو حتى اقتصاد فعال، أو يجب أن نبدأ بمرحلة انتقالية نحو التحول إلى دولة تنفق فيها الحكومة الثروة التي تجمعها من مواطنيها، كما هو الحال في جميع الدول المتقدمة.

لقد منحنا الله تعالى موارد طبيعية هائلة أنشأنا بها هذه الأمة من رمال الصحراء في غضون جيلين، وسمحت لنا هذه الثروة الطبيعية تقديم الخدمات العامة بسخاء، ونظام الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية، وحتى السكن المجاني الذي لا تتمتع به حتى الولايات المتحدة الأمريكية القوية.

الدول الغربية غنية لأنها دول منتجة، سواء من خلال الصناعات الثقيلة أو الزراعة أو الخدمات أو التصنيع، ولأن معظم هذه الدول كانت تبنى ببطء وبصورة شاقة بدون ثروة نفطية أو وفرة من الموارد الطبيعية، فإنها أصبحت ماهرة في نشر قواها العاملة لخلق ثروة من لا شيء، وصناعة السلع والأدوات الثمينة من المواد الخام؛ أو تطوير الاختراعات والابتكارات المذهلة التي يتم تشغيلها بواسطة نفطنا.

بالنسبة لنا، تمثل فكرة حتى خمسة بالمائة من دخلنا في أشكال مختلفة من الضرائب أمر مروع، لكن في العديد من الدول الغربية تتجاوز مستويات الضرائب 50٪ ولكن تلك الدول لا تزال تزدهر، ليس على الرغم من الضرائب ولكن بسبب إعادة تدوير هذه الضرائب من خلال النظام العام لبناء البنية التحتية وتنمية رأس المال البشري الذي يخلق الثروة.

يؤدي النظام القائم على الضرائب إلى توزيع الثروة، بدلاً من ذلك، عندما نضخ النفط من باطن الأرض، يتم بيعه واستهلاكه كثروة ناضبة، هذا هو السبب في أن الاعتماد على النفط على المدى الطويل يصبح نقمة بدلاً من نعمة.

هناك سبب آخر وراء دور الضرائب في قيام ديمقراطيات غربية ناضجة يتلخص بمطلب: “لا ضرائب بدون تمثيل!” ولأن الحكومات قامت بجمع الضرائب، كان على هذه الحكومات أن تخضع للمساءلة إذا لم ترغب في أن يتم عزلها من قبل الناخبين.

لقد خطت البحرين خطوات هائلة خلال العقدين الماضيين من خلال المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، لكن غالباً ما يصاب البحرينيون بالإحباط من برلماننا لأنه يفتقر إلى السيطرة على إنفاق الدولة، ومع تحرك البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى نحو أنظمة الضرائب يصبح ممثلونا أكثر عرضة للمساءلة عن كيفية إنفاق هذه الضرائب.

هذا الانتقال التدريجي إلى نظام قائم على الضرائب صادم ويؤثر على الجميع، ومع ذلك، لم أسمع أي شخص آخر يقترح أي بديل معقول إذا كانت البحرين تريد أن تمضي قدما في طريق الازدهار خلال العقود المقبلة.

 

 

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s