لماذا يتغنى الكثيرون بمستشفى الملك فيصل في السعودية؟ أو في مايو كلينك في أبو ظبي مثلا؟ بينما نُقصِّر نحن في التغني بما لدينا من منشآت طبية رائدة من بينها مركز محمد بن خليفة لأمراض القلب في المستشفى العسكري؟!
لقد أجريت مؤخرا فحوصات طبية دقيقة في هذا الصرح الطبي العلمي الرائد في مملكة البحرين، ولم تكن تلك المرة الأولى بالطبع التي أدخل فيها مستشفى كمريض أو مراجع أو زائر، وأعرف مستشفيات متقدمة في دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات ولبنان، لكني أجزم أن مركز محمد بن خليفة لأمراض القلب يتقدم عليها جمعيها، حسب علمي على الأقل.
ومن المؤسف أنني لم أكن سابقا على اطلاع واسع بمدى تقدم الخدمات الصحية في مملكة البحرين، في المستشفى العسكري، وفي مستشفى الملك حمد أيضا كما سمعت، فيما أنا على يقين أن المعنيين في وزارة الصحة وكادر الإداريين والأطباء في مجمع السلمانية الطبي والمراكز الصحية يحاولون بذل أقصى ما في وسعهم من جهود من أجل تقديم الخدمات الصحية والطبية للمواطن والمقيم بأعلى جودة وأفضل المعايير رغم التحديات.
عندما شعرت بضرورة عمل تلك الفحوصات الطبية نصحني صديقي الصدوق عبد الرحمن جمشير بإجرائها في المستشفى العسكري، لقد تمكن من إقناعي، وذهبت معه وبمعية زوجته المصونة إلى هناك حيث رافقاني طيلة فترة إجراء الفحوصات، ومنذ عرفت عبد الرحمن خلال دراستنا سوية في الجامعة الأمريكية في بيروت تأسست بيننا علاقة صداقة وأخوة، وأنا فخور به لأنه يجسد البحريني الأصيل طيب المعشر.
كان واضحا لي منذ البداية أنني في مكان يتبنى أفضل المعايير العالمية في مجال تقديم الخدمات الصحية، فقد ذهبت إلى المستشفى كمريض عادي، ولا اعتقد أني حظيت بمعاملة مميزة لأنني رجل أعمال أو ما شابه، وقد لاحظت أن جميع المرضى سواسية، في تجسيد عظيم لقداسة مهنة الطب واحترام الطبيب لقسمه ولحياة مرضاه دون تمييز.
ولا بد لي هنا من أسجل عظيم الشكر والامتنان للكادر الطبي والتمريضي والفني في المستشفى العسكري، وعلى رأسهم الدكتور العزيز حسام نور ومساعده الدكتور سادانداس، والدكتور بدران الذي يعتبر من آباء الطب المؤسسين في البحرين ولا زال شغوفا بالطب والمرضى، والأطباء المساعدين، والممرضين والفنيين، والشكر موصول إلى قائد الخدمات الطبية الملكية اللواء بروفيسور الشيخ خالد بن علي آل خليفة، واعتقد أن هذا لسان حال كل من يحتك مع المستشفى العسكري.
نقطة أخرى لفتت انتباهي خلال مكوثي في المستشفى، وهي كادر الممرضات البحرينيات اللواتي يتحلين بأقصى درجات الانضباط والمهنية في العمل، ويحافظن على ابتسامتهن الدائمة، وينشرن الطمأنينة في نفوس المرضى، ويسهرن على راحة المريض وكأنهن واحدة من أفراد أسرته.
ورغم فترة مكوثي القصيرة في المستشفى أدركت أن مركز محمد بن خليفة لأمراض القلب يشكل نموذجا يحتذى للمؤسسات البحرينية الساعية خلف التميز، ولا اعتقد أن هذا المركز يجب أن يكون استثناء، بل أن يكون القاعدة، وأنا أدعو المؤسسات البحرينية الساعية خلف التميز للاستفادة من تجربة هذا المركز، فلو كانت جميع مؤسساتنا تدار بطريقة المركز لكانت البحرين في مقدمة مصاف الدول المتقدمة بالفعل.
والمركز بإدارته الحصيفة يمثل مؤسسة دولية مرموقة، ويمثل بإنسانية تعامله مع المرضى مؤسسة وطنية، وقد سمعت عن مرضى بحرينيين يذهبون إلى مستشفيات لندن طلبا للعلاج من أمراض القلب، فيقال لهم إن لديكم في البحرين مركزا متقدما جدا فيه كوادر طبيبة وطنية لديها سمعة عالمية مرموقة، لذلك من الأفضل لكم أن تتعالجوا في بلدكم.
أدرك تماما مدى التحديات التي تواجه القطاع الصحي في كل مكان بالعالم، ولقد كتب المبدع غازي القصيبي عن تجربته كوزير للصحة في السعودية، وعن التحديات الجمة التي واجهها والتي أدت في نهاية المطاف إلى إقالته من منصبه بعد أقل من عامين على توزيره، رغم أنه أثبت نجاحا إداريا منقطع النظير في أماكن أخرى مثل ميناء الدمام ووزارة الصناعة والكهرباء، حينها وصف القصيبي وزارة الصحة بأنها “محرقة الوزراء”، نظرا لأن الصحة تتعلق مباشرة بآلام البشر وأرواحهم، وهي مطلب أساسي ومُلح لكل الناس، ومن الصعب جدا إرضاؤهم بالطريقة التي يتوقعونها أو يحلمون بها.
لكن عندما تتمكن البحرين من امتلاك مركز طبي صحي متقدم، يمكن أن يشكل تجربة جديرة بالدارسة، وأن تحذوا جميع مؤسسات القطاع الصحي حذوها، خاصة مع فتح المجال واسعا أمام القطاع الخاص للاستثمار في القطاع الصحي، ووضع المعايير الناظمة لهذا الاستثمار.
أسأل الله تعالى لكم ولم تحبون دوام الصحة والعافية، والبعد عن المستشفيات بكل أنواعها، لكن المرض قضاء لا مفر منه، وأحلى ما فيه أن تتكلل تجربة اجتيازه بالنجاح، بمعية أصدقاء مخلصين، وكوادر طبية وصحية رائعة، ومراكز متقدمة عالميا كمركز محمد بن خليفة لأمراض القلب.