قم للمعلم

متى ندفع للمدرسين وأساتذة الجامعات أكثر مما ندفعه للوزراء والقضاة والمصرفيين؟ من الذي يجب أن يتقاضى أجراً أعلى: الوزير أم المعلم الذي أخذ بذل جهودا مضنية على مدى 15 عاما على الأقل من أجل تربية وتعليم وتنشئة هذا الوزير؟

في الواقع عندما لا ننفق على العملية التعليمية كما يجب -والتي يشكل العنصر البشري أو المعلم أهم أركانها- فإننا نسيء إلى المجتمع ككل، ونُعرِّض مستقبلنا للخطر ونؤثر سلبا على معدلات التنمية والتنافسية.

كثيراً ما أجد أن العامل الوحيد الذي يحدد نوعية الموظفين هو جودة أنظمة التعليم التي مروا بها، حث أن الأنظمة التعليمية المتطورة توفر لنا طلابا يقبلون التحدي، وحل لكل مشكلة، وطموح متقد، وقدرة على الإنجاز، وشغف دائم تجاه معرفة المزيد من المعلومات واتقان المزيد من المهارات، فالمعلم في أنظمة التعليم تلك أقرب إلى المرشد الذي يدل الطلاب على الطريق، وليس الذي يحشي عقولهم بالمعلومات التي سرعان ما ينسونها بعد الامتحان.

هذا التباين في القدرة على التعلم بين الطلاب يصبح ملحوظًا بشكل خاص على مستوى الجامعة، أي عندما تصبح الدراسة معتمدة على الاندفاع الذاتي للطالب، حيث يُقبِل الطلاب الذين جرى غرس حب التعلم فيهم على التعلم بفاعلية في هذه البيئة، وتحيط بهم المعرفة وأفضل العقول في حقولهم، وفي الوقت نفسه، فإن الطلاب الذين مروا بتعليم التلقين، مع معلمين مبتدئين، وعدد كبير من التلاميذ في الفصل الواحد، وفرص ضئيلة لتطوير حب التعلم، فإنهم يعانون من صعوبة التأقلم ويكونون أكثر عرضة لترك الجامعة.

عندما يعاني التعليم الحكومي من نقص التمويل، تصبح النتيجة هي أن أكبر العوامل المحددة للنجاح المستقبلي للطالب هي الثروة الشخصية لوالده، وأرى العديد من العائلات في أنحاء العالم العربي تكافح من أجل توفير التعليم الخاص لأبنائها، وذلك ببساطة لأنهم لا يثقون في نظام التعليم الحكومي لتزويد أطفالهم بأفضل مستويات التعلم الممكنة.

في الواقع هذه مأساة، فلماذا تضطر الأسر إلى إفقار نفسها لتعليم أطفالها بشكل صحيح فيما نحن نعتقد أن التعليم يجب أن يكون حقًا متاحًا للجميع مجانًا؟، فبدلاً من أن ترى الحكومات التعليم على أنه قطاع يمكنه تحمل المزيد من التقشف ينبغي النظر إلى كل قرش إضافي يتم إنفاقه على النظام التعليمي كاستثمار في مستقبل الأمة.

كجزء من رؤية المملكة العربية السعودية 2030، تتعامل المملكة مع حقيقة أنها غالباً ما تسجل نتائج ضعيفة في المعايير العالمية للتعليم، لذلك بادرت إلى ضخ مبالغ ضخمة في المدارس والجامعات، حيث بلغت الميزانية المرصودة للتعليم العام الماضي 200 مليار ريال، وفي عهد الملك عبد الله رحمه الله، تم استثمار مبالغ طائلة في تحسين معايير تعليم الإناث، مع بناء مؤسسات جديدة بالكامل للتعليم العالي، وللمرة الأولى تمكنت الفتيات من الاستفادة من المنح الدراسية في الخارج، ولقد كانت البحرين أول دولة في المنطقة تطور نظام التعليم العام لديها وتفتح المدارس للبنات، لكن هل نحن الآن مواكبين لأقرب جيراننا؟

تمر البحرين بمرحلة انتقالية مهمة تعتمد على رأس المال البشري والابتكار، ومن الواضح أن القطاع العام في دول الخليج العربي لم يعد قادرا على توليد المزيد من فرص العمل المريحة، فيما باتت وظائف في القطاع الخاص مثل قطاعات التمويل والسياحة والعقارات والقانون والتجارة تتطلب أعلى معايير التعليم وأمة من العقول اللامعة.

إن نجاحنا الداخلي في البحرين كدولة صغيرة جغرافيا يعتمد على الخدمات التي يمكننا تقديمها للسوق العالمي، وذلك إذا كانت الشركات البحرينية الناشئة هي الأكثر قدرة على المنافسة والنجاح في جميع أنحاء المنطقة؛ وإذا تجاوزت الخدمات المالية البحرينية المعايير العالمية، وإذا تحولت البحرين نفسها إلى أكثر الوجهات المرغوبة للسياحة الإقليمية العالمية، وغير ذلك.

في كل هذه القطاعات، لا يكفي تقديم خدمة جيدة، لأن الشركات الأخرى في الدول الأخرى ستفعل ذلك بشكل أفضل، وبالتالي لن تكون خدمات البحرين مطلوبة، لذلك لا يسعنا أن نزدهر على المستوى الإقليمي والعالمي إلا إذا أثبتت الشركات البحرينية أنها الأفضل، مما يعني وجود أكثر الموظفين المتفانين والمحفزين وذوي الذكاء، وهو ما يتطلب الحصول على أعلى معايير التعليم.

دعني أقول ذلك بشكل أوضح: إذا كانت البحرين ستزدهر في القرن الواحد والعشرين، فلا يجب عليها فقط أن تقدم معايير مقبولة للتعليم، بل يجب أن تقدم أعلى معايير التعليم في العالم، ليس فقط بالنسبة للعدد الصغير من الناس الذين يستطيعون تحمل نفقات تعليم أبنائهم، ولكن لكل جيلنا القادم من المهندسين المعماريين والمهندسين والمصرفيين وموظفي الخدمة المدنية -وبالطبع للمدرسين أنفسهم.

إذا كان المعلمون هم أفضل شريحة مدرّبة وذات أجور الأعلى في شرائح قوتنا العاملة، فعندئذ يصبح أفضل أعضاء المجتمع وأكثرهم سطوعًا هم المعلمين، ويتم تحسين معايير التدريس بشكل كبير؛ ولا ينبغي أن يكون التدريس هو المهنة التي يذهب إليها الناس لأنهم لم يحصلوا على درجات جيدة بما يكفي ليكونوا أطباء أو محامين، بل يجب أن يكون لدينا خريجين يتنافسون حول من هو الأكثر جدارة لتعليم جيلنا القادم.

يساهم معلم واحد خلال مسيرته المهنية في تعليم آلاف العقول الشابة، وعلينا أن نوفر له جميع المحفزات المادية والمعنوية والاجتماعية إذا أردنا أن يزدهر اقتصاد البحرين وأن نستمتع جميعًا بالازدهار في المستقبل.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s