الأفكار والتطبيق

تلقيت بسعادة وحماسة خبر إطلاق سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة لمسابقة الابتكار الحكومي (فكرة) المخصصة لموظفي المؤسسات الحكومية، وقرأت بتمعن أهداف هذه المسابقة الفريدة من نوعها في مملكة البحرين، ورسمت في مخيلتي قطاعا حكوميا نشطا فاعلا مسؤولا يتسابق موظفوه على تحقيق معايير هذه المسابقة، بما ينعكس إيجابا علينا، نحن معشر المواطنين متلقو الخدمات الحكومية.

نحن نتحدث هنا عن نحو 65 ألف موظف حكومي في مؤسسات تتعامل بشكل يومي مع المواطن بشكل مباشر أو غير مباشر، نتحدث عن مؤسسات الصحة والإسكان والتعليم والبلديات وغيرها من الأجهزة الخدمية، إضافة إلى موظفين في الإدارات العليا و”المكاتب الخلفية” مهمتهم التفكير في كيفية ضمان أداء الموظفين في “المكاتب الأمامية” لأعمالهم بالشكل الأمثل، وبما يضمن جودة الخدمات الحكومية وجعلها سلسلة مرنة مريحة أمام المواطنين ما أمكن.

وأود أن أؤكد بشكل خاص على أهمية مبادرة المرأة البحرينية الموظفة للمشاركة في مسابقة “فكرة”، فطالما كانت المرأة ولّادة للأفكار بطريقة تدهشنا أحيانا، وطالما أضفت على مكان العمل طابعا تنظيميا أنيقا، وعندما نتحدث عن وجود قرابة 30 ألف امرأة عاملة في الجهاز الحكومي مقابل 34.5 ألفا من الذكور فنحن نتحدث عن نصف عدد الموظفين تقريبا.

المرأة البحرينية وصلت إلى مناصب عليا، فنراها وزيرة وسفيرة وقاضية، كما أنها تحضر بقوة في عدد من مجالس إدارة الشركات الحكومية، جنبا إلى جنب مع حضورها البارز في الإدارات المتوسطة والدنيا، ونرى جهود المجلس الأعلى للمرأة برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة تؤتي أؤكلها في هذا السياق، لذلك أنا أشجع على وجه التحديد النساء الموظفات في الحكومة للتقدم إلى مسابقة “فكرة” وأنا واثق من أنهن سيثبتن تفوقهن.

هذه المسابقة تعكس مرة أخرى جدية سمو ولي العهد في النهوض بالقطاع الحكومي، وتضاف إلى مبادرات أخرى أطلقها سموه مثل لجنة تقييم مراكز الخدمة الحكومية، ونظام “تواصل” لتلقي تعليقات وشكاوي المواطنين، وبما من شأنه أن يسهم بتحسين كفاءة الخدمات في القطاع الحكومي من خلال تحقيق أعلى مستويات الرضا لدى المتعاملين معها.

إن ديوان الخدمة المدنية في البحرين يقوم بجهد جيد في مجال مراقبة أداء الموظف الحكومي، ومنح المكافآت وفرض العقوبات، ولكن القطاع العام بطبيعته، في البحرين، وكذلك في مصر وتونس وفرنسا وروسيا وغيرها من الدول، يبقى مكانا لـ “الأمان الوظيفي والراتب السهل المضمون”، لذلك يصعب إدارته بالمرونة التي تدار بها مؤسسات القطاع الخاص.

لطالما قلت وأكدت أننا كرجال أعمال على تماس يومي مع الأجهزة الحكومية، نجد كل ترحيب وتسهيل من قبل الإدارات العليا، ونلمس رؤية واضحة وإرادة صلبة من قبل الوزير ورئيس الهيئة هنا وهناك من أجل ضمن سير الإجراءات الحكومية بسير وسهولة، ولكن المشكلة تبدأ عند الإدارة الأدنى فالأدنى، وصولا إلى طبقة الموظفين المنفذين، فيصبح الأمر كشعلة متقدة في الأعلى تخبو وتخبو كلما تدرجت نحو الأسفل حتى تنطفئ أو تكاد.

نحن نريد أن نقول شكرا للموظفين الحكوميين المخلصين في عملهم، ولكني اعتقد أن التحدي الذي يواجهه المراجعين ومتلقي الخدمات الحكومية ليس مع أولئك الموظفين المخلصين أساسا، وإنما مع أولئك من الموظفين غير المبادرين، واللامبالين، لذلك يجب أن نفكر أيضا بطريقة لانتشالهم من القاع، ووضعهم على طريق الإنتاجية والعطاء.

في السينما هناك أوسكار لأفضل فيلم وأفضل ممثل وأفضل موسيقى تصويرية، ولكن هناك أيضا حفل خاص يجري خلالها الإعلان عن أسوء فيلم وأسوء ممثل وأسوء موسيقى تصويرية، واعتقد أن الهدف من ذلك إثارة مخاوف المنتجين والممثلين والعاملين في السينما من غير المباليين، وأن يقال لهم: تبا لكم، لقد أهدرتم وقت الجمهور وتسببت بسخطه.

أنا أقيم بشكل أساسي في البحرين، لكن لدي أعمال في سائر أنحاء الوطن العربي، وفي بريطانيا وأستراليا وغيرها، ومن هذا المنطلق أستطيع القول إن الأفكار والبرامج والمشاريع التي يجري إطلاقها في مملكة البحرين رائدة بكل معنى الكلمة، لكن تفعيل هذه الأفكار والبرامج والوصول بها إلى النتائج المنشودة يقتضي توفير منفذين على مختلف المستويات يتحلون بقدر عالي من المسؤولية.

لدينا أفكار رائعة حول النهوض بالقطاع السياحي، واللوجستي، وإعادة البريق للذهب البحريني، والتركيز على قطاع الضيافة كمولد كبير لفرص العمل، ونعوِّل كثيرا على القطاع الصناعي، وقطاع تقنية المعلومات، ولكن العبرة بوجود جهاز تنفيذي قادر بالفعل على متابعة تطبيق هذه الأفكار، وأخذ زمام المبادرة في كل مرة تواجه التطبيق عقبة هنا أو هناك.

نريد للقطاع الخاص أن يكون المحرك الأساسي للنمو، وأن تستطيع مؤسساته توليد فرص عمل نوعية أمام البحرينيين، وأن يكتفي القطاع الحكومي بدور المراقب والمنظم، ولكن الواقعية تقتضي منا الاعتراف بأننا لا زلنا بعيدين عن تحقيق هذا الهدف، فلا زال اقتصادنا ريعي، يعتمد بشكل أساسي على الإنفاق الحكومي، وهذه الصورة نجدها في كل الدول النفطية حول العالم تقريبا.

أيضا يبدو أن خطوات تعهيد الحكومة إدارة مرافق ومؤسسات في قطاع الصحة والطاقة والخدمات للقطاع الخاص لا زالت بطيئة، فشاهدنا مثلا خصخصة شركات فحص السيارات، وتشجيع الاستثمار في التعليم، ولكن ليس بالحجم المطلوب.

ما الحل إذاً إزاء هذا الوضع؟ الحل في تحفيز القطاع الحكومي وتدريبه وتشجيع موظفيه على إبراز أفضل ما عندهم من طاقات ومبادرات من أجل تطوير الأداء وخدمة المراجعين، لذلك تبرز مسابقة “فكرة” كبادرة مهمة من أجل تعزيز مخرجات مختلف المبادرات والبرامج التي تتبناها مملكة البحرين في مختلف القطاعات التنموية والخدماتية وتأكيد دور الطاقات البحرينية في تولي زمام المسؤولية وتحقيق الرؤى التي ننشدها جمعيا.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s