لماذا لم تصل اتفاقات أوسلو إلى نهايتها السعيدة؟

أتذكر قبل نحو 25 عاما الشعور بالتفاؤل الكبير جدا عقب توقيع اتفاقات أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هذا التفاؤل الذي وصل عنان السماء في مدن مثل لندن وباريس ونيويورك، لكنه كان تفاؤلا حذرا في مدن أخرى كالقاهرة وبيروت والرياض.

ساد آنذاك اعتقاد راسخ لدى العالم الغربي أن المشاكل التي تواجه الشرق الأوسط قد تم حلها جميعًا، وأنه يمكن للعرب والإسرائيليين من الآن فصاعدا التعايش بروح من السلام والوئام، خاصة وأن العالم كله شاهد إسحاق رابين يهز يد ياسر عرفات في حديقة البيت الأبيض أمام بيل كلينتون المبتسم، وهذه الروح من التفاؤل الذي لا يمكن كبته تعززت بسبب انهيار الاتحاد السوفييتي آنذاك، حيث كان من الواضح الآن أن جميع الديكتاتوريات القمعية تتجه إلى مزبلة التاريخ، في حين أن الديمقراطية الليبرالية والرأسمالية ستنتصران.

بالمقابل كان معظم السياسيين والمراقبين في أنحاء العالم العربي متفائلون بحذر بشأن فيما إذا كانت أوسلو خطوة إلى الأمام بالفعل، فماذا عن كل القضايا التي لم تتم معالجتها؟ ماذا عن القدس؟ ماذا عن حق العودة؟ ماذا عن حركة الاستيطان التي بدت وكأنها أنشطة متسارعة؟ ماذا عن بنيامين نتنياهو الذي بدا وكأنه يريد تدمير أوسلو؟

كثيرا ما كان علينا أن نعبر عن هذه الشكوك بهدوء وحذر، وعندما أثار الزعماء الفلسطينيون هذه المخاوف، قاطعهم المحاورون الأمريكيون والإسرائيليون بعبارات من قبيل: العرب لا يريدون السلام أو التسوية، إنهم يلعبون فقط من أجل الوقت، بينما يحلمون باستعادة كل فلسطين.

غالبًا ما يشبه فهم العالم الغربي للسياسة على أنها مؤامرة في فيلم هوليوود عاطفي: ينهار جدار برلين فيبني الروس ودول أوروبا الشرقية مستقبلهم الديمقراطي المزدهر، يتم خلع صدام حسين ومعمر القذافي فيفرح العراقيون والليبيون ويعيشون في اليوم التالي بسعادة وسلام ومحبة وإخاء…

هذا الإدراك الغربي غير الناضج للعالم يتجاهل حقيقة أن توقيع الأوراق والمصافحة هي الجزء الأسهل من العملية، فقد تصافح ترامب وكيم جونغ أون وتبادلوا المجاملات في شهر يونيو، فعاد الأول بصفقة يعد من خلالها بمستقبل خالٍ من التهديدات النووية، فيما عاد الآخر إلى مخبأه واستمر في بناء صواريخه!

قادة إسرائيل ليس لديهم هذه النظرة الخاطئة للأمور، فقد أطلق اغتيال رابين العنان لليمين المتطرف الصهيوني، وأمضى نتنياهو ما تبقى من ذلك العقد منهمكما في تفكيك كل ما تم الاتفاق عليه في أوسلو، ثم عمل إيهود باراك على أخذ المزيد من التنازلات من الفلسطينيين، قبل أن يطلق إرييل شارون رصاصة الرحمة على العملية برمتها.

لقد تم تسليم القدس الآن لإسرائيل بكاملها، وقطعت المستوطنات الضفة الغربية إلى قطع صغيرة، وأعلنت الإدارة الأمريكية مؤخراً أن اللاجئين الفلسطينيين غير موجودين، ويناقش النظام الإسرائيلي اليميني المتطرف الحالي بشكل مفتوح مختلف الخطط لضم غالبية الأراضي الفلسطينية الزراعية، لماذا حدث كل هذا؟

ليس من المستغرب أن يقوم قادة إسرائيل بسرقة أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية، والفرق بين اليمين واليسار الإسرائيلي هو ببساطة في كيفية اتباعهم لأدب ودبلوماسية هذه الأجندة، وبالتالي، كانت هناك حاجة لأميركا وأوروبا كوسطاء لإجبار كلا الطرفين على التوصل إلى اتفاق وضمان الوفاء بوعودهم، وقد صدرت كتب كاملة حول تحيز أمريكا الكامل لإسرائيل، وإن استسلام إدارة ترامب لجميع مطالب نتنياهو، بينما يتم دفع الفلسطينيين بل وطردهم من مكاتبهم في واشنطن، هو مجرد نسخة أكثر وضوحا عن سلوك الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

ومثلما يبدوا الرأي العام الغربي الآن محرجا إزاء متابعة التصرفات الصهيونية الرعناء وإدانتها ومحاسبة المسؤولين عنها، فإن الحالة نفسها سادت في أعقاب لحظة أوسلوا الرومانسية في حديقة البيت الأبيض، حيث فقد معظم العالم الغربي اهتمامه بأوسلو، وكانت المفاوضات والتطورات التي أعقبتها معقدة ومرهقة، وركن الجميع إلى الذكريات السعيدة، والآن، وبعد مرور 25 عامًا، لا زلنا نعيش السيناريوهات ذاتها مما يمكن تسميته “نزوات اهتمام زائلة”.

عندما يختار العالم الغربي التدخل في الشرق الأوسط أو مناطق من الدول النامية، فإن لديه القوة العسكرية والعضلات الدبلوماسية لنقل الجبال، ولا تستطيع معظم الأنظمة أن تدوم أكثر من بضعة أيام أو أسابيع بمجرد أن تقرر الولايات المتحدة البدء في حملة جوية من قبيل “الصدمة والرعب”، وتحويل القصور إلى أنقاض.

بالنسبة للجمهور الذي يربى على أفلام الحركة وألعاب الكمبيوتر، فإن هذه الحروب التي استمرت أسبوعًا مثيرة ومذهلة، وتحصل CNN على الكثير من لقطات التفجيرات والأشخاص الذين يلتفون في جميع الاتجاهات لإثارة جمهورهم. هل كانت أمريكا محقة في إزالة صدام والقذافي؟ هل يجب أن يتم ذلك ضد بشار الأسد؟ سوف تستمر مثل هذه المناقشات لعقود، ومع ذلك، فإن فشل الغرب في كل مرة يشرع فيها في مغامرة عسكرية أو دبلوماسية كهذه هو أنه بمجرد انتهاء جميع التفجيرات وفرص الصور الفوتوغرافية الجذابة يفقد السياسيون والجنرالات والجمهور الاهتمام ويبتعدون، وهذا ينطبق على أوسلو بقدر ما ينطبق على ليبيا، في حين أن اهتمام ترامب القصير الشهير يأخذ هذا الميل إلى أقصى درجات التطرف.

استحقت كل من أوسلو وليبيا الاستمتاع بالنهايات السعيدة الخيالية التي اعتقدها كل من CNN و BBC في البداية، لكن النهايات السعيدة تتطلب سنوات من الجهد والصبر والمثابرة. لقد تركت رغبة هوليوود في تحقيق انتصارات رخيصة وسريعة ومبهمة شعوب هذه المنطقة تعيش مع العواقب الصادمة والدموية طويلة الأمد للهزيمة المريرة.

 

*رئيس مجلس إدارة مجموعة بروموسيفن القابضة

 

 

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s