مقالي لهذا لأسبوع غريب نوعا ما، إنه يتناول قصة جدلية حول مسؤولية الإنسان تجاه الحيوان.
شاهدت منذ فترة فيلما وثائقيا طغى فيه الجانب الأخلاقي إلى حد كبير على علاقة الإنسان بمحطيه، وبالحيوان تحديدا، وركزت كاميرا الفيلم على عيون الحيوانات مثل الغزلان والأبقار والأغنام، وكم هي حياتها صعبة لناحية الحصول على المأكل وتحمل الظروف الجوية الصعبة، وكيف تتألم عند الولادة، وكيف تحنو على صغارها، وتحمي نفسها وصغارها من الحيوانات المفترسة..، لدرجة أنني شعرت أن الفيلم كاد يقول إن ذبح الإنسان لتلك الحيوانات بغرض التغذي على لحومها هو جريمة بحد ذاتها!.
تبادرت إلى ذهني آنذاك قصة نجمة السينما الفرنسية بريجيت باردو التي تجاوزت عامها الثمانين الآن، والتي لا زالت شغوفة بالقطط على وجه التحديد، وهناك قصص عن أنها أوصت بكل ثروتها من أجل رعاية القطط، حتى أنها أرسلت مؤخرا كتابا إلى الحكومة الأسترالية تستنكر فيها عزم ملبورن إعدام مليوني قطّة من أصل 20 مليوناً تهدّد أنواعاً عدّة من الحيوانات الأصلية حول البلاد.
أعلم أيضا أنه يوجد في لندن فندق عريق للكلاب عمره 132 سنة، ومستشفى كبير، ومقابر خاصة بالحيوانات، ويكتب اسم الكلب على شاهدة قبره.
قرأت أيضا عن سيدة جزائرية ثرِّية تعيش في بريطانيا، تقول دائما إن كل ثروتها تهون من أجل عيون القطط والكلاب وحتى الحمير أعزكم الله، حتى أن شغفها الكبير بالحيوانات دفعها لتأسيس جمعية شغلها الشاغل هو حماية وتوفير العيش بـ “عزة وكرامة” لحيوانات ذات “روح وقلب ومشاعر” كما تقول تلك السيدة الجزائرية، وهي تأسف حين تحدثك عن وضعية الحمير في بلادنا العربية بسبب مشاكسات الأطفال.
طبعا أن أتعاطف معها، ولا أروي هذه القصة للتندر أو السخرية، فالدين والخلق الكريم أمرنا باللطف مع الحيوان، وعدم إيذائه، أو تحميله ما لا طاقة له به.
لكن الطبيعة تسير وفق نظام دقيق مدروس، يمثل الافتراس أحد أهم أركانه، فالنمر يجب أن يصطاد كي يعيش ويطعم أطفاله، وقد زوَّده الله تعالى بعضلات قوية وعيون ثاقبة وأنياب حادة، لكنه بالمقابل زوَّد الغزال بآلية معقدة لاستشعار الخطر عن بعد وقدرة على الجري بسرعة أيضا، وطالما استهوتنا مشاهدة المطاردة المجهدة بين النمر والغزال على شاشات التلفزة، والأمر ذاته يحدث مع الضفدع ذي اللسان الطويل الذي يمكِّنه من اصطياد الذباب، فيما الذباب مزوَّد أيضا بحساسات وأجنحة لتجنب اصطياد الضفدع له. ربما يمثل عالم الافتراس رسالة ربانية لنا مفادها ألا شيء في هذه الحياة يأتي بسهولة.
في البحرين واجهنا مشكلة الكلاب الشاردة، وقد بلغت هذه المشكلة من الخطورة بحيث باتت قطعان تلك الكلاب تهدد البشر والأطفال خاصة في القرى، وتسطوا على أرزاق الناس فتخرب المزروعات وتلتهم الدجاج والحمام. وقد شهدنا سجالا حادا بين جهات تريد القضاء على تلك الكلاب الضالة بأي طريقة من خلال إطلاق النار عليها أو تسميمها، وبين جماعة الرفق بالحيوان وغيرهم من المتعاطفين مع الكلاب الذين رفضوا قتلها، لكنهم لم يقدموا حلا جذريا للمشاكل الخطيرة التي تسبب بها.
اعتقادي الشخصي، وربما يكون اعتقادا يراه البعض قاسيا نوعا ما، هو أنه لا يجب علينا التدخل والعبث في نظام الطبيعة حتى لا نحدث خللا في سيرورته اللانهائية، فعندما نوفر حماية مبالغ فيها لحيوان ما فإننا نحرمه أولا من مقومات تكيفه مع الطبيعة نتيجة ظروف الراحة والأمن التي نوفرها له، كما أننا نحرم حيوانات أخرى من التغذي عليه، أو أن يتغذى هو عليها، وبهذا يختل النظام البيئي أو الطبيعي. إنها تماما شريعة الغاب: القوي يأكل الضعيف، وهذه هي الحقيقة المنطقية التي يجب أن نعترف بها ونقبلها بعيدا عن العواطف.
لكن أبقى في الوقت ذاته مع ضرورة إنزال عقوبات صارمة بحق أولئك الذين يصطادون الحيوانات من أجل استخدام جلودها كأحذية وحقائب، واستغرب بالفعل من الذين يتفاخرون بارتداء هذه الأشياء، ولقد أحدث ذلك ضررا كبيرا في النظام البيئي في دول أفريقيا تحديدا، ومن ذلك حملات اصطياد الفيلة من أجل الحصول على العاج. هل من المعقول أن أقتل فيلا يزن ستة أطنان من أجل أن أحصل على كيلوا غرام واحد أو أقل من العاج؟
الإنسان سيد المخلوقات على هذه الأرض، وله الحق في التغذي على لحوم الحيوانات بعد ذبحها بالطريقة الصحية والصحيحة، كما له الحق في الاستفادة منها في أعمال الفلاحة والتنقل والزينة.
المفارقة في الأمر هنا هي أنه عندما يموت الإنسان ذاته يتحلل جسده في التربة، وتلتهمه الديدان، ويتحول إلى مواد عضوية تتغذى عليها النباتات أيضا، فهل يمكن لأحد منا أن يعترض على ذلك؟