البحرين ودول الخليج والعالم بمعظمه تعاني من صعوبات اقتصادية جمَّة، وإن كان لكل دولة ظروفها الخاصة إلا أن الاقتصاد العالمي بات متشابكا لدرجة كبيرة وأي تراجع أو ركود في سوق من أسواقه ينعكس سلبا على باقي الأسواق، والعكس صحيح.
لذلك كان من الطبيعي أن تكون البحرين جزءا من هذه الأوضاع الاقتصادية العالمية الصعبة، خاصة مع الانفتاح الاقتصادي لمملكة البحرين على العالم، والارتفاع المضطرد لحجم الصادرات والواردات، وارتباط الدينار بالدولار.
لدينا في البحرين تحدياتنا الخاصة، أبرزها مسألة تراجع أسعار النفط التي بدأت منذ منتصف العام 2015، والتحديات المتعلقة بالدين العام، إضافة إلى التحديات الإقليمية والأوضاع الجيوسياسية غير المستقرة. لدينا تحدياتنا الخاصة، وعلينا اختراع طرقنا الخاصة لمواجهتها، وبما يتلاءم مع إمكانياتنا ونقاط قوتنا وموقعنا الجغرافي وثروتنا البشرية.
الفينيقيون اخترعوا الأبجدية، هذا صحيح، لكنهم لم يخترعونها ترفا، أو كشيء كمالي في حياتهم، وإنما دفعتهم لاختراعها حاجتهم للتواصل مع باقي شعوب البحر المتوسط التي كانوا يرتبطون معها بعلاقات تجارية، فاحتاجوا إلى تدوين تلك التعاملات، وإيجاد طريقة للتخاطب غير المباشر، عبر الرسائل، فكانت الكتابة.
كانت الغابات حيث أقاموا في لبنان على سواحل المتوسط وفيرة، لكنهم أدركوا أن التوسع في تجارتهم يتطلب البحث عن المزيد منها، وخلافا لكثير من الأمم، لم يلجأ الفينيقيون للحرب، وإنما للمحادثات والمفاوضات التجارية مع جيرانهم، وتمكنوا من عقد صفقات عمل ناجحة، فكانت سفنهم المحملة بالأخشاب تجوب البحر المتوسط الذي تحول في فترة من الفترات إلى بحيرة تجارية فينيقية.
مخطئ من يعتقد أن ظهور شركات عابرة للحدود مثل أمازون وأوبر وآبل هي ظاهرة حديثة، فعلى مر التاريخ كانت الأمم المتقدمة تسيطر بتجارتها –حربا أو سلما- على جيرانها الضعفاء، وما طريق الحرير الذي تعمل الصين على إحيائه حاليا إلا مثال على ذلك.
لكن سرعة الاتصال والانتقال جعلت من العالم سوقا أصغر، لقد بدأ أمازون كموقع إلكتروني بسيط لبيع الكتب وبعض السلع، والآن أصبح أكبر سوق تجاري في العالم، بل إنه تمكن من إخراج كثير من المؤسسات التجارية التقليدية العملاقة حول العالم من السوق، وأصبحت ثروة صاحبه جيفري بريستن بيزوس تفوق الناتج القومي لعشرة دول شرق أوسطية مجتمعة.
لا داعي للحديث أيضا عن أوبر كأكبر شركة نقل في العالم هي مجرد تطبيق على الهواتف النقالة ولا تملك ولا سيارة واحدة، كما أن شركة “اير بي أن بي” العقارية هي أكبر شركة فنادق بالعالم رغم أنها لا تملك أي فندق أو عقار.
قطاع المصارف في البحرين كان رائدا على مدى الأعوام الخمسين الماضية، لكن هل البنوك البحرينية جاهزة الآن للتعامل مع تقنيات الـ “فنتك” و”بلوك تشين” التي أتاحت تحويل الأموال بين الناس دون الحاجة لوسطاء؟، شركات التأمين هنا أيضا تعتبر رائدة لناحية الخبرات الطويلة المتراكمة، ولكن هل هذه الشركات تفكر في مستقبلها عند استخدام السيارات ذاتية القيادة التي لا تحتاج لتأمين لأنها ببساطة يندر أن تقوم بحوادث؟ أشك في ذلك.
اسمع في البحرين عن مبادرات جميلة حول استخدام مصادر الطاقة النظيفة، وتشجيع المواطنين على تركيب ألواح الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء في منازلهم، بل إن مسؤولين حكوميين تحدثوا عن تفكير لدى الحكومة بشراء تلك الكهرباء “النظيفة” الزائدة عن احتياجات المواطنين، لكن ألمس أن الخطوات في هذا الاتجاه لا زالت خجولة.
التعليم، التعليم، التعليم، إنه الحل السحري لكل المشاكل، بما فيها المشاكل الاقتصادية، فهل لا زالت مدارسنا تصر على مواد الجغرافية والفيزياء والأدب؟ أم أنها انتبهت إلى أهمية مواد الذكاء الصناعي والبرمجة وغيرها؟
علينا أن نعرف أن الحواسيب أصبحت أكثر معرفة بالعالم من الإنسان، وفي أمريكيا تضاءلت إلى حد كبير فرص المحامين الشباب في الحصول على عمل اليوم لأن برنامج “أي بي ام واتسون” القانوني يقدم لك مشورة قانونية في القضايا العامة الأساسية خلال ثوان بدقة تصل نسبتها إلى 90% أفضل من نسبة الـ 70% التي يقدمها المحامون من البشر، فيما يشخص برنامج واتسون مرض السرطان بدقة أفضل من تشخيص البشر أربع مرات، لذلك لم يعد مجديا إضاعة 10 سنوات في دراسة الطب البشري والاختصاص، بعد أن باتت الآلات والتحاليل والمخابر وحدها من تحدد قرار الطبيب.
البحرين جزيرة، وسكان الجزر كانوا على الدوام أكثر انفتاحا وتلاقيا مع غيرهم من باقي الحضارات، وفي داخل كل بحريني يكمن حس الخلق والابتكار والإبداع، ربما نحتاج فقط إلى أن “نقدح الشرارة”، نحتاج إلى أن نتخلص من حالة التذمر التي تنتابا تجاه كل شيء حتى الطقس، وأن نتحلى بالتفاؤل والإيجابية، عندها يستطيع كل فرد فينا أن يكون مساهما فاعلا في التنمية والازدهار ليس على مستوى البحرين فقط، وإنما على مستوى المنطقة وحتى العالم.