تحشد قوات الأسد وحلفاؤه لشن حملة عسكرية واسعة ضد إدلب، ومن الواضح لمن ستكون الغلبة في هذه الحملة بعد انتصارات النظام في حلب وضواحي دمشق وجنوبي البلاد بفضل الدعم الخارجي الهائل طبعا، لكن الخسائر البشرية والعواقب الإنسانية المتوقع أن تنجم عن المعركة القادمة في إدلب ستكون مأسوية بشكل يصعب تصوره.
في كل مرة يُسقِط فيها بشار الأسد مدينة جديدة سرعان ما يوقع صفقات مع أهلها من المدنيين والمقاتلين المعارضين لنقلهم إلى إدلب، والنتيجة هي أن هذه المحافظة باتت الآن على شفى الانفجار الداخلي بالمواطنين والمجموعات المقاتلة المعارضة، لكن إذا استمعنا إلى دعاية النظام فهم جميعًا إرهابيون.
ومن بين جميع الفظائع التي رأيناها في سوريا، قد تكون إبادة السكان المرتقبة في إدلب أكثرها دموية وأشدها عنفاً، ويبدو أن الروس وإيران وحزب الله في عجلة من أمرهم لإنهاء هذه المعركة، وهذا يعني أنه لن يكون هناك تنازلات ولا رحمة. ماذا يمكن أن يفعل العالم؟ يعتقد معظم العالم أن الصراع السوري قد انتهى بالفعل.
إذا تم قتل الآلاف من المواطنين بالغاز الكيماوي هل ستقوم أية دولة في جميع أنحاء العالم برفع إصبعها لاتخاذ إجراء؟ سنسمع إدانة صاخبة وتهديدات فارغة، لكن النظام يعلم أنه يمكن أن يفلت من العقاب في إدلب كما أفلت مرات ومرات في مواقع كثيرة.
هذا لا يعني أن نظام الأسد قد انتصر، إنه نظام مكروه وديكتاتوري لم يبق في السلطة إلا بفضل مليارات الدولارات من التمويل الأجنبي والجيوش والقوات الجوية والميليشيات الأجنبية، كما أن معظم شرق سورية لا يزال خارج أيدي النظام، وحتى لو بقي بشار الأسد بالسلطة، فأي دولة مكسورة فاشلة ستكون سوريا؟ ونرى في الوقت الراهن أن اللاجئين الضعفاء في مخيمات لبنان يتعرضون لضغوط من أجل العودة، فيما يخشى الكثيرون من أن يتم احتجازهم وإساءة معاملتهم إذا عادوا.
لقد بدأ النظام مؤخرا في إطلاق شهادات وفاة للآلاف الذين ماتوا تحت التعذيب في معتقلاته المرعبة خلال السنوات الماضية، كما وضع النظام قوانين جديدة لمصادرة أراضي وبيوت السوريين الذين فروا من منازلهم، في وقت لا يمكن فيه للكثير من العائلات ببساطة العودة، كونها مرتبطة بشكل أو بآخر بالثورة على النظام.
نحن نميل للاعتقاد بأن الخير دائما ينتصر على الشر، وأن أولئك الذين يرتكبون الجرائم سيناولون دائما العقوبة التي يستحقونها. في يوم ما سينال بشار الأسد وزبانيته عقابهم المستحق، في الدنيا قبل الآخرة، ومع ذلك من الصعب علينا جميعًا أن نقبل بانتصار الأشرار في سوريا. قد لا يتمكن العديد من السوريين بعد أن عانوا من ويلات هذه السنوات من التصالح مع هذه الحقيقة، فطالما بقي الأسد ستواصل بعض الجماعات المسلحة معارضته، حتى لو لم تكن لديها احتمالات نجاح جدية.
الأجواء السامة في سوريا ستكون أيضًا مناخًا مثاليًا للتطرف، وبالإضافة إلى مجموعات مثل داعش هناك شباب ورجال امتهنوا الحرب وحمل السلاح، من المعارضة ومن الميليشيات التي شكلها النظام، فهل سيعودون إلى حياتهم العادية في بلد لا توجد فيه فرص جديرة بالعيش؟ خاصة وأن الكثيرين من بينهم لم يحظوا بفرصة تعليم أو حتى فرصة ليعيشوا طفولتهم؟
وهل سيسمح العالم الآن بشكل مخجل بإعادة نظام الأسد إلى المجتمع الدولي؟ كل تلك الدول التي طلبت من الأسد الذهاب اضطرت مرة أخرى إلى تعديل نفسها لتولي المقاعد إلى جانب ممثلي نظامه. وتثبت آلاف الصفحات من الوثائق أن الأسد وحلفاءه هم أسوأ أنواع مجرمي الحرب، ولكن مع التغطية الروسية والصينية في مجلس الأمن الدولي علينا أن ننتظر نوعًا مختلفًا من العالم القادر على تحقيق العدالة.
لقد انخرطنا في المراقبة على هامش الأحداث في الوقت الذي بدأ فيه الأسد وبوتين وإيران وحزب الله هجومهم الأخير على نحو ثلاثة ملايين شخص هم مزيج من المدنيين البائسين والجائعين المحاصرين في إدلب، إضافة إلى صنوف مختلفة من قوات المعارضة، ويمكننا التعبير عن الرعب والغضب لأي شخص يرغب في الاستماع، مع العلم أن الأمم المتحدة والغرب والعالم العربي سيجلسان ويسمحان مرة أخرى بحدوث هذه المذبحة، ولن يدرك عدد كبير من الأشخاص في جميع أنحاء العالم هول ما يحدث.
عندما يفشل العالم في القيام بالشيء الصحيح تلاحقنا المآسي من كل حدب وصوب. يقضي ترامب وقته في مكافحة اللاجئين، لكن هؤلاء اللاجئين لم يأتوا من الفضاء، بل إنهم يتدفقون من الدول التي تنهار لأن المجتمع الدولي قد تخلى عن دوره في حفظ السلام وحل النزاع. وإذا كنا لا نريد أن نرى تكرار السيناريو السوري في جميع أنحاء العالم، فلا بد من التفكير بجدية في كيفية خلق عالم من المؤسسات والضمانات لحماية الدول الهشة، والشعوب التي تتهدد حقوقها الإنسانية من قبل أنظمتها. قد يبدو هذا السيناريو بعيدًا اليوم، لكن هل يمكن للعالم حقاً تحمل حالة سورية أخرى؟!