كيف تكون البحرين جزءا من “نيوم”؟

الإيمان والأمل بمستقبل هذه المنطقة من العالم كبير، ليس بالنسبة لنا فقط، بل للأجيال القادمة أيضا، فبعد فترة صعبة اقتصاديا تمر بها المنطقة، يظهر مشروع عملاق ومحرك قوي نحو الاقتصاد العالمي الجديد، والفرصة مواتية جدا للاستفادة من هذا المشروع من قبلنا نحن في البحرين.

لقد سلَّطت زيارة خادم الحرمين الشرفيين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى “نيوم” الأسبوع الفائت الضوء مرة أخرى على هذا المشروع العملاق، حتى أن مجلس الوزراء السعودي عقد جلسته هناك، وكان هذا مناسبة مواتية للاطلاع على تطورات المشروع، وقد لفت انتباهي في الخبر الذي نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن هذه الزيارة أن الملك “سيقضي بعض الوقت للراحة والاستجمام”، وهذا يعني أن “نيوم” ليست مدينة صاخبة بالأفكار والابتكار والتطور فقط، وإنما مدينة هادئة ساحرة على شاطئ البحر الأحمر توفر مكانا فريدا للهدوء والصفاء الذهني والنفسي.

وتشهد المملكة العربية السعودية تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة وواثقة، ونتيجة للثقل السياسي والاقتصادي والجغرافي للسعودية، يمكن التأكيد على أنه عندما يتغير وجه السعودية التي نعرف تتغير معه المنطقة ككل، والسؤال المهم هنا هو: كيف يمكن لنا في البحرين أن نواكب هذا التغيير وندعمه ونستفيد منه؟

هناك مصطلح يسمى “حرق المراحل”، بمعنى إذا أردنا في البحرين أن نعزز ريادتنا علينا أن نحافظ على التقدم الذي نحرزه في مجالات السياحة والبنية والتحتية والنقل اللوجستي والطيران وغيره، ولكن يجب في الوقت ذاته أن نقفز إلى أبعد من ذلك، أن نقفز مباشرة إلى “نيوم”.

“نيوم”، هذا المشروع العملاق الذي أثار فضول العالم عندما جرى الإعلان عنه في أكتوبر العام الماضي من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يتضمن 9 قطاعات استثمارية غير تقليدية هي الطاقة والمياه والتنقل والتقنيات الحيوية والغذاء والعلوم التقنية والرقمية والتصنيع المتطور والإعلام والإنتاج الإعلامي والترفيه والمعيشة التي تمثل الركيزة الأساسية لباقي القطاعات.

إذاً، نحن بالفعل في مدينة المستقبل، وإذا كنا ننظر إلى سنغافورة أو هونغ كونغ كنموذجين عصريين للمدن المتطورة، فعلينا أن نتوقع أن “نيوم” هي المدينة الفاضلة التي طالما حلم الإنسان بالعيش فيها، المدينة التي تمثل نموذجا لما يجب أن تكون عليه مدن العالم في المستقبل.

الأثر المرتقب أن يتركه افتتاح مشروع مدينة “نيوم” في المنطقة بين شمال غرب السعودية ومناطق من الأردن ومصر في العام 2025 لن يقل بشكل من الأشكال عن الأثر الذي تركه إنشاء قناة السويس في المنطقة ذاتها عام 1860، عندما غيرت وجه الصحراء هناك وظهرت حياة جديدة ومدن وأنشطة متطورة جدا على طول القناة.

ومؤخرا، ومع خروج المغتربين الآسيويين خاصة من السعودية، ربما يخلق “نيوم” فرصاً أكبر لدمج المصريين والأردنيين بشكل أكثر قوة في القوى العاملة بالمملكة، مع وجود شروط توظيف أفضل وتحويلات في العالم العربي.

من الناحية الجغرافية تبدو “نيوم” بعيدة عنا في البحرين لوقوعها على الطرف الآخر من المملكة العربية السعودية، لكننا نحن الأقرب سياسيا واقتصاديا وتاريخيا واجتماعيا وثقافيا وعائليا للسعودية، ومصيرنا مشترك بلا شك، والمثل يقول “إذا جارك بخير انت بخير”، فكيف إذا كان جارك هو أخوك؟!.

لقد ارتبط البحرين عضويا بالسعودية من خلال جسر الملك فهد، فيما يمثل إنشاء مشروع جسر الملك حمد المرتقب فرصة لنظام اقتصادي إقليمي أكثر بكثير، حيث من المحتمل أن يعمل كل من “نيوم” والمنامة كمحورين لانفتاح دول مجلس التعاون الخليجي على العالم بشكل أكبر.

وهناك ضجة كبيرة حاليا حول الفرص الجديدة للاستثمار الأجنبي ودخول الشركات الغربية إلى السوق السعودية، وفي الواقع يمكن للشركات البحرينية -إذا كانت تتمتع برؤية كافية- أن تكون أكثر قدرة على المنافسة والفعالية والربحية، حيث أنها تتكيف بشكل أفضل مع تحديات السوق الخليجي.

 

ربما تشكل محدودية المساحة وصغر الحجم الكلي للاقتصاد تحديات أمام البحرين كدولة، ولكنها في الوقت ذاته فرص، فالاقتصاد الصغير بالإمكان تنشيطه بسرعة، كما أنه يتسم بالمرونة، وسهولة التحكم به وتطويره، وأي دعم يناله يترك أثرا فوريا ومباشرا، وبالإمكان تطوير أنماط الاقتصاد الوطني ليواكب متطلبات العصر الرقمي والطاقة النظيفة والترفيه والتقنيات الحيوية وتوجهات “نيوم” بشكل عام.

موضوع آخر أود الحديث عنها هنا، وهو الكوادر البشرية البحرينية، حيث يمثل رأس المال البشري في مملكة البحرين الركيزة الأساسية لمختلف أوجه التطور، والبحرينيون بطبيعتهم، وفي جيناتهم، محبون للعلم والعمل، يبدعون في مجالات كثيرة، ولا يتوقفون عن الابتكار، ونحن نراهم مثلا في القطاع المصرفي البحريني الذي كان متقدما على كل القطاعات المصرفية في المنطقة، وكذلك تبرع المرأة البحرينية في كل المجالات وهي قادرة على المشاركة بفاعلية في جميع خطط التنمية.

لدينا في البحرين تحديات اقتصادية كبيرة، هي ذاتها التحديات التي يواجهها أشقائنا في الخليج العربي، وذلك لارتباطها بالسبب الرئيسي المتعلق بانخفاض أسعار النفط، لكن لدينا أيضا مشاريع عملاقة نعول عليها مثل مشروع نيوم بتمويل يتجاوز نصف تريليون دولار أمريكي، ويهدف إلى تحفيز النمو وتحريك الصناعة المحلية ضمن رؤية المملكة في أفق عام 2030، وتنويع مصادر الدخل والابتعاد عن النفط، وتنويع مصادر الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية، حيث يخطط لـ “نيوم” أن تكون أكبر حاضن لاستثمارات الطاقة الشمسية في العالم، وهذا بالضبط ما نحتاجه هنا في البحرين.

عندما أطير فوق الخليج العربي أرى من نافذة الطائرة صحراء لا تكاد تنهي، أحيانا أرى عراكا بين الصحراء والبحر دون أن يفصل بينها جبال أو أشجار خضراء كما هو الحال في باقي مناطق العالم، لكن عندما تهبط الطائرة وأخرج من مطار البحرين أو دبي مثلا فإنني أرى حضارة ومباني شاهقة وطرق متطورة قل نظيرها في باقي دول العالم، وأدرك أن إرادة الإنسان في هذه المنطقة من العالم هي من صنعت تلك الحضارة بعد أن توفرت السيولة المالية من بيع النفط، والآن هذا الإنسان نفسه قادر على مواصلة النهضة الحضارية في وطنه حتى دون الاعتماد على النفط.

اعتقد أنه لا يجب علينا في البحرين الاكتفاء بدور المتفرج والمراقب عن بعد، وانتظار نجاح مشروع “نيوم” بعد سنوات حتى نفكر في الاستفادة من التجربة، بل علينا منذ الآن أن نكون جزءا منها، وأشقائنا في المملكة العربية السعودية لم ولن يتأخروا يوما عن دعمنا، خاصة إذا تمكنا من إقناعهم بأننا سنمثل إضافة كبيرة لمشروعهم: نيوم.

 

 

 

 

 

 

 

*رئيس مجلس إدارة مجموعة بروموسفن القابضة

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s