أوضاعنا الاقتصادية والمالية في البحرين ليست في أحسن أحوالها، لكن مستوى مخاوف الناس والمستثمرين مبالغ به إلى حد كبير جدا، لماذا؟ دعوني أسرد لكم عددا من الأدلة.
لو تكلمنا بلغة عامة الناس نقول إن الحكومة ومؤسسات القطاع الخاص –بمعظمها- ملتزمة بصرف الرواتب في موعدها، كما أنه لا زال بالإمكان الحصول على وجبة طعام مغذية بأقل من دينار، وتأمين العلاج بشكل شبه مجاني.
في رمضان الفائت قرأت عن حملة لتوزيع إفطار صائم يقول القائمون عليها إنهم يسعون من ورائها تحقيق أحد أهداف التنمية المستدامة الـ 17 وهو هدف “القضاء على الجوع”، فأثار ذلك استيائي وسخريتي في وقت واحد، وسألت: هل في البحرين جوع؟!
هل في البحرين مشردين يجبرهم الفقر على النوم تحت الجسور مثلا؟، ما هي نسبة جرائم الاعتداء أو السرقة التي ترتكب بغرض الحصول على الطعام؟ ما هي نسبة العائلات التي تفككت وتشرد أطفالها بسبب عدم مقدرة الأب على الإنفاق؟ كم عدد الذين ينتحرون بسب الصعوبات المالية التي يواجهونها؟. هل نعلم أن كل ما سبق موجود وبكثرة حتى في دول أوربية متقدمة؟
لا شك أن هناك أسرة فقيرة أو مُعدَمة هنا أو هناك، وهناك أسر كبيرة تعيش في شقة صغيرة، وبيوت آيلة للسقوط، لكن بالمقابل الجميع يحظى بخدمات عامة مجانية من تعليم وصحة وغيرها، إضافة إلى دعم مادي حكومي يتمثل في العلاوة الاجتماعية والتأمين ضد التعطل وغيره، والسؤال هنا: هل التحديات الاقتصادية الصعبة التي نمر بها ستؤدي إلى جوع وتشرد وجرائم وتفكك أسري؟ قطعا لا، ليس الآن ولا على المدى المتوسط ولا المدى البعيد أيضا.
ولو تحدثنا بلغة المحللين الاقتصاديين يمكننا سرد الكثير من المؤشرات التي تؤكد أن اقتصاد البحرين بخير، ومن بين تلك المؤشرات تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من 3.2٪ في العام 2016 ليصل إلى 3.9٪ في 2017 نتيجة الزيادات في نشاط القطاع غير النفطي التي جاءت بصورة عامة من قطاع الخدمات وبصورة خاصة من الخدمات المالية والخدمات الاجتماعية والشخصية بالإضافة إلى قطاع البناء والتشييد، ولقد سجل النشاط غير النفطي في العام الماضي أعلى مستوى من بين دول مجلس التعاون الخليجي محققاً نسبة قوية بلغت 5.0٪.
كما زاد زخم النمو الاقتصادي غير النفطي ليصل إلى 4.6٪ في 2018 – 2019، وذلك بدعم من قوة مستويات الإنفاق على مشاريع البنية التحتية التي يصل حجمها لثمانية مليارات دولار، ومن المتوقع استمرار الانفاق العام عند مستوياته العالية لدعم تلك المشاريع، وكنت كتبت أكثر من مرة عن المشاريع العملاقة نسبيا التي تنفذها البحرين، ومن بينها مشروع توسعة مطار البحرين الدولي، ومرفأ استيراد الغاز المسال، ومدينة المعارض الجديدة في الصخير، وكلها مشاريع من المرتقب الانتهاء منها خلال العامين أو الثالثة القادمة.
ولا يجب أن ننسى هنا طبعا الاكتشافات النفطية الجديدة التي تصل إلى 80 مليار برميل من النفط و20 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، والتي يمكن أن تحفز الاستثمار الخاص في قطاع الطاقة في البلاد على المدى القريب، كما يمكن على المدى المتوسط أن يزيد من عائدات النفط والغاز ويقلل العجز المالي وحجم الدين العام للبحرين.
لنتحدث أيضا عن برنامج التنمية الخليجي الذي تم تأسيسه في العام 2011 لتقديم منح تمويلية للبحرين بقيمة 10 مليارات دولار على مدى عشر سنوات من أجل إنعاش الاستثمار في مشاريع البنية التحتية والمشاريع الإسكانية، حيث ما زال هذا البرنامج متواصلا.
وإن ما جرى الإعلان عنه مؤخرا من توجه لدى الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت من أجل تعزيز الاستقرار المالي في البحرين مهم جدا خاصة على مستوى أسواق المال العالمية التي كانت بدأت تداول الدينار بأقل من قيمته الحقيقة، وقلَّت شهيتها تجاه سندات الدين البحرينية.
ولقد أكد مصرف البحرين المركزي مرارا وتكرارا أنه لا رجوع أبدا عن نهج ربط سعر صرف العملة الوطنية الدينار بالدولار الأمريكي، واثبت البحرين ذلك على الدوام من خلال دفاعها عن عملتها عبر رفع أسعار الفائدة الأساسية على الدينار في كل مرة يقوم بها مجلس الاحتياط الفيدرالي برفع الفائدة على الدولار.
ومن الأهمية بمكان مواصلة الترويج للبحرين كبيئة جاذبة للاستثمار كما كانت على الدوام، وأن يكون هذا الترويج مدروسا وموجها بشكل خاص للبنك الدولي ولوكالات التصنيف الإئتماني العالمية وللمستثمرين، وأنا أدعوا هنا لتبني خطة ترويج وطنية شاملة يرسمها مجلس التنمية الاقتصادية وتمكين وغرفة التجارة وغيرها من الجهات المعنية، ويتولى تنفيذها مركز الاتصال الوطني مثلا، وأن نعلم نحن ما هو الدور المطلوب منها كرجال أعمال وما هي بالضبط الرسائل المطلوب منا نقلها للأسواق التي نعمل فيها خارج البحرين، بما يضمن تكامل جميع عناصر هذه الخطة وفاعليتها واستدامتها.
الوضع الاقتصادي الصعب الذي نحن فيه الآن ليس أمرا غير مسبوق يستدعي أن نستسلم له، فهناك دول واجهت تحديات اقتصادية أكثر خطورة وتعقيدا ولكنها استطاعت تحويل التحديات إلى فرص والخروج من أزماتها أقوى، وهنا علينا كمواطنين أن نبادر إلى مساندة حكومتنا في تجاوز التحديات الاقتصادية، لا أن نكتفي بالتذمر وإلقاء اللوم هنا وهناك دون طائل.
وإن ما نمر به في البحرين من تحديات اقتصادية ليست إلا أعراض “انفلونزا” يجب تشخيصها بدقة وعلاجها بحزم، ولكن لا يجب التهويل والتخويف منها وكأنها مرض مستعصي علينا التسليم والاستسلام له، فالدول مثل الأشخاص، تلعب الحالة النفسية الدور الأكبر في تعزيز صحتها أو مفاقمة مرضها.