ثروتنا المرتقبة.. كيف ننفقها؟

اتفكر في دعوة سيدنا إبراهيم الواردة في محكم التنزيل “رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات”، واستذكر تاريخ البحرين وكيف انهار الاقتصاد هنا بعد أن اكتشف اليابانيون كيفية إنتاج اللؤلؤ الصناعي الذي قضى تقريبا على مصدر الدخل الرئيسي للبحرين بين ليلة وضحاها، لكن البحرينيين لم يجبروا على الاختيار بين الجوع أو الهجرة، لأنه في غضون أشهر أصبحت البحرين أول دولة في المنطقة يكتشف فيها النفط، وبسرعة كبيرة ارتقى الاقتصاد مرة أخرى إلى آفاق أرحب، وأثبتت شركة بابكو قدرتها على استيعاب العمالة الوطنية وتدريبها وتأهيلها، وأصبح الأمر أشبه بالمعجزة الاقتصادية التي انعكست بسرعة على قطاعات التعليم الحديث والرعاية الصحية المجانية والإسكان وغيرها الكثير.

منذ العام 2015 بدأنا نعاني أيضا من بوادر أزمة اقتصادية عصيبة بسبب انهيار أسعار النفط، حيث اضطرت الحكومة والمواطنون والمقيمون إلى الدخول في برامج تقشف، لكننا نرى الآن ضوءً في نهاية النفق على شكل اكتشافات نفطية جديدة تمامًا هي الأكبر من نوعها منذ الاكتشاف النفطي الأول في ثلاثينات القرن الماضي.

وفقاً لمحللين مستقلين فإن هذه الاكتشافات الجديدة تصل إلى 80 مليار برميل من النفط و20 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهو ما تحتاج إليه البلاد بالضبط لمعالجة عجزها وإعادة الاقتصاد إلى مساره.

وكما قال محللو وكالة موديز: “إن الاكتشاف النفطي الجديد في البحرين يمكن أن يحفز الاستثمار الخاص في قطاع الطاقة في البلاد على المدى القريب، كما يمكن على المدى المتوسط أن يزيد من عائدات النفط والغاز ويقلل العجز المالي وحجم الدين العام للبحرين”.

هذه الأخبار الممتازة تأتي جنبا إلى جنب مع زيادة عائدات النفط باطراد خلال الأسابيع الأخيرة، كما أصبح واضحا أننا نعود إلى مرحلة من العقوبات المشددة ضد اقتصاد إيران، مما يزيد احتمال تحسين سعر البرميل.

ومع ذلك، هناك أسباب تدعو للحذر، فعلى الرغم من أن هذه الاكتشافات ستشجع الاستثمار الأجنبي وتزيد الثقة في الأعمال التجارية الدولية في البحرين وربما تحسين التصنيف الائتماني للمملكة، إلا أن هذه الأمور تستغرق وقتًا، خاصة وأن وزير النفط قال إن استثمار حقل النفط الجديد اقتصاديا سيكون في غضون خمس سنوات من الآن.

وهذا يعني أنه يجب ألا نتصرف كما لو أن هذه الاكتشافات هي عبارة عن شيك على بياض، ورخصة للشروع من جديد في الإنفاق المفرط، وسبب للتخلي عن الجهود الرامية إلى تطوير القطاع الخاص وتنويع موارد الاقتصاد الوطني بعيداً عن النفط.

لقد كان وزير التجارة زايد الزياني محقا بالتأكيد على أن البحرين ستبقى في طريقها لتنويع اقتصادها، وقال: “يجب أن نتصرف بحكمة لاستخدام الإيرادات الناتجة عن هذا الاكتشاف لتطوير اقتصادنا وتنويعه أكثر، من خلال تخفيض الدين العام، والاستثمار في رأس المال البشري، والخدمات الصحية والتعليم”.

يجب أن تملك الدولة بشكل دائم احتياطيًا ماليًا جيدا لاستخدامه في حالة حدوث انكماش اقتصادي، وفي الواقع، منذ الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2007، تعرضت البحرين لسلسلة من الأزمات المالية، واحدة تلو الأخرى، لذلك لم يكن من المستغرب أن تعتمد المملكة بشكل متزايد على الاقتراض في طريق يؤدي على المدى الطويل إلى استنزاف الملاءة المالية.

ولذلك، فإنه من المطمئن أن الأولوية لدى المسؤولين في البحرين حاليا مع زيادة العائدات تكمن في خفض مستويات الديون، وتطمح في المستقبل إلى بناء فوائض في الميزانية مرة أخرى.

في الوقت ذاته يجب أن نرى مزيدا من الإنفاق الحكومي كاستثمار في مستقبل البحرين، من خلال الإنفاق على معايير التعليم المتطورة باستمرار ، وتحسين البنية التحتية الوطنية وتشجيع روح المبادرة، وإن الإعلان عن المضي قدمًا في إنشاء جسر الملك حمد الجديد، ومشروع توسعة المطار، ومرفأ الغاز المسال، ومدينة المعارض الجديدة، إنما هي مؤشرات على مرونة وحيوية وجاذبة الاقتصاد الوطني.

لقد مرت البحرين بفترات صعبة، وربما الآن ومن خلال هذه المصادر الجديدة للثروات الطبيعية يتم مكافأة مواطني البحرين على صبرهم وثقتهم في قيادتهم واستعدادهم للصبر والبذل في الأوقات الصعبة.

الثروات في حد ذاتها لا تجلب السعادة إذا لم يتم استثمارها بحنكة وحكمة وتعظيم فوائدها لتعم الجميع، وتعزيز مستويات الرفاهية، وتحقيق التنمية المستدامة، وضمان مستقبل أفضل لنا ولأطفالنا.

 

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s