اسمحوا لي أن أسجل في هذا المقال جانبا من انطباعاتي حول الفورمولا واحد في دورتها الـ 14 هذا العام، والتي تعتبر أبرز حدث رياضي سياحي ترفيهي دولي تستضيفه البحرين سنويا، يستقطب عشرات آلاف السياح “النوعيين”، ويتابعه نحو 425 مليون إنسان حول العالم بحسب بعض التقارير.
لقد حرصت هذا العام على حضور أيام الفورمولا الثالثة كاملة، من الجمعة حتى الأحد، وقد رصدت بالفعل تطورا كبيرا في جوانب كثيرة من هذه الفعالية، تطور انعكس في زيادة عدد الزوار والسياح، وفي الفعاليات المصاحبة، وأبرز قدرة القائمين على الفورمولا واحد على تحويلها لمهرجان ترفيهي متكامل يمثل سباق السيارات ركنا أساسيا فيه، ولكن ليس كل أركانه.
لقد شهدنا هذا العام تطورات كثيرة في الفورمولا واحد، من بينها تطوير شعار السباق، وإعلان الشعار الرسمي لسباق هذ العام “سابق النجوم” (Race the Stars)، إضافة إلى عدد من الإجراءات الفنية المتعلقة بسيارات السباق ومواصفاتها، وبما يسهم في زيادة وتيرة السباق واشتداد المنافسة ومواكبة التطورات الحديثة في عالم سباق السيارات، خاصة مع تغيير إدارة الشركة المنظمة للفورمولا في نوفمبر الماضي، واستحواذ شركة (Liberty Media) بنسبة 100% عليها، وتعيين رجل الأعمال “تشيس كاري” رئيسا لها بدلا من “بيرني إكليستون” الذي لم نشاهده هذا لعام في الصخير كما عودنا كل عام.
من بين حضور الفورمولا هذا العام رأيت الصيني والياباني والأمريكي، حتى أنني التقيت بسائح ألماني طلب مني زيارتي في مكتبي لمناقشة إمكانية القيام ببعض الأعمال المشتركة، وقد زارني بالفعل، وأبدى لي إعجابه بالبحرين ورغبته بالدخول في شراكة معي حول مشروعات تتعلق بالأمن الرقمي، وهو ما نناقشه حاليا.
رأيت من بين الحضور أيضا مفكرين وسياسيين، وشخصيات عامة مهمة، تتابع السباق من جهة، وتناقش مسائل الاقتصاد والسياسة وتعزز من شبكة علاقتها من جهة أخرى، في جو احتفالي بهيج.
ومن على شرفة برج الحلبة الذي يتوسط مسارات السباق، رأيت كيف أسهمت الفورمولا واحد في إحياء منطقة الصخير الصحراوية ككل، رأيت كم البحر قريب من حلبة السباق، وفكرت بإمكانية شق قناة مائية تصل داخل الحلبة وتدور حولها، وهو ما يمكن أن يضفي مزيدا من الجمال على المكان.
استعطت أيضا أن أرى منطقة الصخير بعد خمس أو عشر سنوات، وكيف يمكن لتنفيذ مدينة المعارض الجديدة التي تضم فنادق ومولات أيضا أن تسهم في إحياء المزيد من المساحات الصحراوية هنا، إضافة إلى الميادين الرياضية ومضامير سباقات الخيل المزمع إقامتها.
اعتقد أن الكثير من الناس لا زالوا لا يدركون أهمية الفورمولا بالنسبة للبحرين، كما أن التجار لم يستثمروا بعد هذه الفعالية كما يجب لتحقيق الأرباح المجزية لهم، حيث أن هناك عوائد اقتصادية غير مباشرة تسهم من خلالها الفورمولا واحد كإنعاش المتاجر والمنشآت الفندقية والمرافق السياحية، فضلا عن قطاعات المواصلات والدعاية والإعلان والمطاعم ومجمعات التسوق وغيرها، والتي تقدر بحسب بعض التقارير بنحو 500 إلى 600 مليون دولار.
إن سائح الفورمولا واحد هو سائح “نوعي” يتمتع بمقدرة كبيرة على الانفاق، ويتنقل من بلد لآخر بحثا عن رفاهية منشودة دون النظر إلى تكلفتها عادة، وهو بالتالي لم يأت إلى البحرين لمتابعة السباقات فقط، وإنما يريد برنامج سياحي ترفيهي متكامل، ويضع على أجندته قائمة بالمعالم الأثرية وأماكن الترفيه والمطاعم وأماكن السهر التي سيزورها.
نحن أيضا بحاجة لإقامة فعاليات كبرى خلال موسم سباقات الفورمولا واحد، رحلات سياحية بحرية، وألعاب رملية، وعروض تراثية، وغيرها، ولا بد هنا من التنويه بمهرجان “حرفنا” الذي نظمته هيئة البحرين للسياحة والمعارض في سوق المنامة القديم لبيع الحرف اليدوية التقليدية، وقد بلغ عدد زواره كما هو معلن أكثر من ستين ألف زائر.
ليس لدي إحصائيات دقيقة عن عوائد الفورمولا واحد، ولكن أستطيع أن أجزم أن إنفاق سائح الفورمولا لا يقل عن ألف دولار، وقياسا على حجم ما استقبلته البلاد من زوار وحضور في سباق العام الماضي، وبلغ 33 ألف شخص في اليوم الأول ونحو 93 ألف شخص خلال أيامه الثلاثة نستطيع القول إن الفورمولا تحقق عوائد بنحو 90 مليون دولار في ثلاثة أيام، وهو بلا شك رقم ممتاز جدا بالنسبة لاقتصاد ليس بالكبير مثل اقتصاد البحرين.
كما أن هؤلاء السواح النوعيين يصبحون رسلا لنقل ما تتمتع به البحرين من انفتاح اجتماعي واقتصادي وأمن واستقرار، ويمكن أن نرصد بالفعل نشاط العديد منهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يعني أنه ينقل انطباعاته الإيجابية لآلاف وبما ملايين المتابعين حول العالم.
لا يجب أن نغفل أيضا الزيادة الكبيرة بأعداد الزوار والسياح من رعايا دول مجلس التعاون الخليجي الذين يقبلون على زيارة البحرين خلال اقامة السباق لا سيما عبر المنفذ البري الوحيد جسر الملك فهد.
أنا في الواقع لا أريد الاكتفاء بتهنئة البحرين قيادة وشعبا بمناسبة نجاح الموسم الحالي للفورمولا واحد، وإنما أريد أيضا أن ارفق تهنئتي تلك بتمنياتي أن نعزز من العمل معا من أجل تعظيم استفادة بلدنا الحبيب من هذه الفعالية، وتحويل البحرين كلها إلى حلبة يسودها هدير محركات التجارة والسياحة والضيافة والثقافة.
لا شك أن التطور الذي تشهده الفورمولا واحد عاما بعد عام هو جزء من نظرة سمو ولي العهد الثاقبة للأمور، وإصرار سموه على المضي قدما في تطوير هذه الفعالية عاما بعد عام رغم التحديات، ولا شك أن حضور فعالية الفورمولا واحد يدركون بالفعل جمال هذا البلد والإمكانيات البارزة التي يتمتع بها والتي يجب علينا جميعا استثمارها بأقصى فاعلية ممكنة.
*رئيس مجلس إدارة مجموعة بروموسيفن القابضة