تابعت بحماس مشاهد مئات الآلاف من الشباب ينضمون إلى التجمعات في المدن عبر أمريكا في تحدٍ لفشل قيادتهم في صياغة تشريع معقول يمنع أي شخص من الدخول ببساطة إلى متجر وشراء سلاح ناري.
من الصعب تفهم أنه من السهل على المراهقين الأمريكيين والأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية والمجرمين الحصول على أسلحة شبه أوتوماتيكية، فيما يدعي السياسيون المنتفعون من صناع وتجار الأسلحة النارية أن الأمريكيين لديهم حق إلهي بحمل السلاح، ولكن نتيجة ذلك هي أن الولايات المتحدة هي البلد الوحيد في العالم الذي يعاني من وباء إطلاق النار في المدارس والجامعات والأماكن العامة، وعمليات القتل الجماعي من قبل مسلحين يحملون ضغينة ضد مجتمعاتهم.
على مر السنين رأينا العشرات من هذه الحوادث التي يعقبها مباشرة عوده الحياة إلى طبيعتها وكأن شيئا لم يحصل، ودون اتخاذ أي فعل حيالها، لكن بعد أحداث إطلاق النار الجماعية الأخيرة في فلوريدا، اتخذت الأمور مسارًا مختلفًا تمامًا: فجأة أصبح الآلاف من أطفال المدارس في عواصم الولايات الأمريكية وخارج البيت الأبيض يطالبون بالتغيير، ومن بين هؤلاء الشباب بعض المتحدثين المفوَّهين بشكل يسترعي الاهتمام إلى حد كبير.
سرعان ما تتجه الأمور للتعقيد عندما نناقش القضايا الكبيرة مع البالغين، والنتيجة هي أننا نجد أعذار لعدم التحرك، لكن بدلاً من ذلك تمكن هؤلاء الشباب من التعامل مع جوهر هذه القضية بطريقة مباشرة من خلال تنظيمهم لحركة “مسيرة من أجل حياتنا”، حيث يخرجون في مسيرات يؤكدون من خلالها أن حياتهم وحياة زملائهم في المدرسة ثمينة، وأنه عندما يفشل السياسيون في اتخاذ إجراء فإن الأمر متروك للجيل الجديد ليأخذوا زمام المبادرة.
نحن لا نكترث غالبا بالأطفال الذين يناقشون قضية كبرى، وربما ننظر لهم نظرة دونية مردها اعتقادنا المسبق أنهم ليس لديهم فهم كامل للمشكلات الكبرى التي يناقشونها مثل البيئة أو السلام العالمي، ونحن بهذا النهج ندفع بهم دون أن ندري ليصبحوا عندما يكبرون لا مبالين، مثلنا تماما!.
نحن نفشل في تفعيل شغف وحيوية الأطفال كأحد أهم عوامل شخصيتهم، ونادرا ما نستثمر الوقت معهم في المنزل أو المدرسة من أجل تعليمهم بشكل صحيح عن العالم الأوسع والدور الذي يمكن أن ينهضوا به، ولا يوجد في منطقتنا ثقافة قوية للعمل التطوعي والخدمة العامة، وبالتالي هناك فرصة ضئيلة أمام الشباب لاكتشاف مكافآت تكريس الوقت والجهد في خدمة الآخرين وقضايا المجتمع.
أتذكر مؤخراً أني كنت أناقش مطولا حفيدة صديق حميم تتحدث عن أسفها إزاء عدم القيام بما يلزم من أجل مساعدة الحيوانات المهددة بالانقراض في إشارة منها إلى وفاة وحيد القرن الأبيض الأخير، وقد وجدت نفسي محرجا عندما سألتني عن سبب السماح بحدوث مثل هذا الشيء، فالأمر لا يعني أننا لا نهتم، ولكننا مشغولون للغاية بالأشياء التي تبدو أكثر أهمية بكثير، وتجعلنا نكتفي بإبداء مشاعر الأسى إزاء انقراض نوع معين من الحيوانات.
حاول أن تجيب طفل عمره 12 عاما على سؤاله لماذا لا تستطيع مختلف أطراف الصراع في سوريا تحقيق السلام بعد أن أصبح من المستحيل على أي طرف الفوز، تجد نفسك تسرد تفسيرات تبدأ بالقول: “في الواقع، الأمر ليس بهذه البساطة …”، لكن في الحقيقة يمكن قبول الأمر ببساطة كبيرة، فالمواطنين من جميع الأطراف سيكونون أفضل بكثير إذا بدأ زعماؤهم يتصرفون بحكمة ورتبوا اختلافاتهم وديا.
لا ينبغي لنا أن نقلل من شأن الشباب، ويجب أن نبذل كل ما في وسعنا لتثقيفهم حول العالم الأوسع في حين أنهم لا يزالون صغارًا بما يكفي ليكون لديهم عقول منفتحة بما فيه الكفاية.
ما أن بدأت بوادر الربيع العربي حتى تدفق مئات آلاف بل ملايين الشباب إلى الساحات، في مصر وتونس ووغيرها، صحيح أنه كانت لديهم معاناة كبيرة من البطالة والسكن، ولكن الدافع الأساسي الذي حرَّكهم هو إيمانهم الكامل بأن بلدانهم يمكن أن تكون أفضل، يمكن أن تكون مصر مثل كوريا الجنوبية، أو تكون تونس مثل فرنسا نفسها، هكذا ببساطة، ودون تعقيدات، لكن الجميع يعلم كيف انحرف مسار الأحداث فيما بعد وتحول الربيع إلى خريف دامي.
السبب الذي يجعل الكثير من الشباب في سن 18 سنة غير راغبين في المشاركة في الحياة العامة هو أنهم غالبا ما ينظرون إلى النظام السياسي فيرون مجموعة من كبار السن يهتمون بأنفسهم ويجادلون مع بعضهم البعض ولكنهم يحققون القليل جدا. كيف نشرك الشباب في النظام السياسي؟ من خلال الانخراط مباشرة معهم، ومناقشة القضايا التي يهتمون بها وإثبات أن السياسة هي التغيير نحو الأفضل.
الأطفال مثاليون. يعتقدون أن التغيير ممكن، فيما لا نرى نحن سوى العقبات وأسباب التقاعس عن العمل، ويشعر الشباب بالحيرة والإحباط عندما نفشل ببساطة في الوقوف والتعامل مع الأشياء الخاطئة في العالم.
العالم لديه موارد كافية للجميع، والتكنولوجيا موجودة لوقف التدمير البيئي، ويمكن تحقيق السلام العالمي من خلال توقف الناس ببساطة عن القتال، وإذا توافرت الإرادة السياسية والإجماع العام الدولي فهناك بعض المشاكل التي تبدو سهلة الحل.
كلما تقدمنا في العمر فقدنا القدرة على النظر إلى العالم بالطريقة “الطفولية” الشمولية والواضحة والبسيطة، وعندما نقترب من العالم بعيون طفل، نضع جانبا جميع المبررات لعدم العمل والجمود؛ ويصبح السؤال ليس ما إذا كان من الممكن حل مشاكل العالم، ولكن لماذا لم نحلها منذ زمن طويل.