من حسن حظنا أن النظام الإيراني الحاكم لأشقائنا المسلمين في إيران، إضافة إلى امتداداته الخارجية المتمثلة في الأحزاب والحركات المسلحة، قد وضعوا نصب أعينهم تحرير فلسطين والقدس، وها قد جاء اليوم المنتظر لقيامهم بذلك بعد اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
إيران لديها فيلق القدس وهو التشكيل العسكري الأكثر عنفا وتمرسا في القتال خاصة وأننا نجد مقاتليه في كل مكان، في العراق وسوريا، وقائده قاسم سليماني يتنقل كالشبح بين تلك قواته المنتشرة في أكثر من دولة عربية، وقد تمرست قواته في القتال وأصبحت أكثر جهوزية، وهي من خلال وجودها في سوريا ولبنان تشرف مباشرة على إسرائيل والطريق سالك أمامها لتحرير القدس.
وبما إن إيران هي الأقوى في المنطقة فإنه يجب علينا الاعتماد عليها، خاصة وأنها خصصت يوما تحت مسمى “يوم القدس” تستعرض فيه أحدث أسلحتها، وصواريخها القادرة على الوصول لأكثر من ألفي كيلومتر كما تقول، وقد حان الوقت لنقل هذه القوات من ساحة الاستعراض لساحة المعركة، كما أن إيران عملت طيلة السنوات الماضية على جعل هذا اليوم إسلامي الطابع لا يختص بإيران وحدها، وحشدت كل أنصارها حول العالم للخروج بمظاهرات في هذا اليوم، بل إنها تريد أن يهتف حجاجها ضد أمريكيا وإسرائيل في مكة.
نحن نترقب على أحر من الجمر أن تقوم إيران بتحرير القدس، وقد حان الوقت لتصدير الثورة الإسلامية الإيرانية لإسرائيل نفسها، والبرهنة لأمريكا والغرب على قدرة إيران على ترجمة تهديداتها لهم لحقائق على الأرض.
بعد كل ما سبق وكتبته، هل رفعت سقف التحدي مع إيران كثيرا؟. في الواقع إن المثل العربي يقول “ما حك جلدك غير ظفرك”.
لكن مع الأسف يكفي أن تقرأ الشريط الإخباري على إحدى محطات التلفزة لتدرك أي حضيض وصلنا إليه نحن العرب، وكيف تتسع وتتسارع النكبات والنكسات، حتى بات حالنا يجسد بالفعل حالة شاعرنا أبو الطيب المتنبي قبل أكثر من ألف عام عندما قال:
رماني الدهر بالأرزاء حتى… فؤادي في غشاء من نبال
فصرت إذا أصابتني سهام… تكسرت النصال على النصال
بعض هذه الأرزاء أو النكسات يأتينا من خارج الحدود، من إيران وامريكيا وإسرائيل وكل الدول الطامعة فينا، والتي ترى أرضنا مجرد ساحة لعب لتسجيل نقاط ومكاسب سياسة واقتصادية، وبعضها يأتينا من الداخل أيضا، من خلال قوى وجماعات تعيش بيننا وتنفذ أجندات خارجية، ممن يصدق عليهم القول “قلوبهم معنا وسيوفهم علينا”.
دمشق عاصمة الأمويين و”قلب العروبة النابض” أصبحت مرتعا لعصابات الخميني، وبتنا نشاهد مواكب اللطم في سوق الحميدية وحتى داخل الجامع الأموي الشهير، وفي اليمن تُحكم ميليشيات الحوثي -إيرانية الهوى والدعم- قبضتها شيئا فشيئا على صنعاء، وبيروت وبغداد ليستا أفضل حالا، ولا أرى مبررا لاعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل سوى استهتاره الكبير بمشاعر العرب والمسلمين، وأؤكد هنا على كلمة “مشاعر” لأنه لم يبق على ما يبدو سلاح لنا غيرها.
أعتقد أننا بتنا بحاجة لرسم استراتيجية عربية تشمل جميع الدول العربية المعنية بالحفاظ على ما تبقى من عروبة، وأعني هنا دول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية تحديدا، فهي الأكثر استقرارا وقوة، والأكثر مقدرة على تحسس مخاطر الحاضر واستشراف معالم المستقبل والحفاظ على جذوة العروبة والإسلام متقدة.
لقد أمضينا نصف القرن الماضي لا نقوم بشيء سوى “إطفاء الحرائق” كلما اشتعلت، ولم نضع آليات عمل تضمن إدارة الأزمات بفاعلية، ومنحنا مؤسسات العمل العربي المشترك مثل جامعة الدول العربية أهدافا وبرامج جميلة، لكننا لم نزودها بالأدوات اللازمة من أجل تحقيق تلك الأهداف.
سمحنا للغرب بأن يفرض علينا رؤيته المتعلقة بأنظمة الحكم الرشيد وحقوق الإنسان، حتى تحولت هذه الرؤية إلى وسيلة ابتزاز سياسي في كثير من الأحيان، وأوكلنا إلى مفكريه مهمة تحديد عدونا من صديقنا، فاستغلوا ذلك في بيعنا المزيد من الأسلحة.
لم تتمكن الجيوش العربية من بناء عقيدة قتالية موحدة، فتحولت معظمها إلى أدوات لحماية الديكتاتورية العسكرية، في العراق وسوريا وليبيا واليمن، ومع أن الهدف المعلن كان العداء لإسرائيل وتحرير القدس، إلا أن هذه الجيوش خاضت أعتى الحروب ضد شعوبها أنفسهم.
ربما تكون “القومية العربية” حلما، لكنه كان حلما جميلا عاشه كل أبناء جيلي. على الأقل كان لدينا حلم، هل يعقل أنه لا يوجد الآن من بين العرب من يمنحنا حلم نعيش على أمل تحقيقه؟ مجرد حلم؟!
سألني مؤخرا صديق مقرب يعمل في قطاع المصارف عن سبب إصراري على التوسع في استثماراتي في البحرين والخليج العربي، وشرائي لمزيد من الأصول في هذه الفترة بالذات، وحذرني من خطورة الأوضاع السياسية والاقتصادية المتوتر، ونصحني بالبدء فورا في نقل أعمالي وأموالي واستثماراتي خارج المنطقة.
فكرت قليلا بكلامه قبل أن أجيبه بالقول: “أنا شخصيا وكرجل أعمال أتابع عن كثب كل صغيرة وكبيرة في تطورات قطاع الأعمال والسياسة أيضا، وأدرك إلى حد كبير المخاطر المحدقة بالمنطقة، وأنا الآن مصرٌ أكثر من أي وقت مضى على أن أكون فعالا وإيجابيا ومساهما في الاستقرار والازدهار، أنا مرتبط بهذه الأرض كارتباط أشجار الأرز والنخيل والزيتون”.
وتابعت: “ما نفع أموالي وأملاكي في حال لم يكن لدي أرض أنتمي إليها؟ ما نفعها لو كنت بعيدا عن أهلي وناسي والأشخاص الذين أحبهم ويحبونني؟!.
نحن متمسكون بالأمل الذي أعلنه الشاعر الفلسطيني محمود درويش بقوله: “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”، ومصرون على العطاء والأمل، “نحن محكومون بالأمل” كما يقول المسرحي السوري سعد الله ونوس.
يقال إنه في مطلع الألفية الأولى سأل صبيٌ عربيٌ شيخه عن إمكانية عودة القدس مجددا للعرب بعد إحكام السيطرة تماما عليها من قبل الصليبين آنذاك، فرد عليه الشيخ بالقول: “إذا لم يتمكن جيلنا يا بني من ذلك فربما يفعلها جيلكم أنتم، أو جيل أولادكم أو أولادهم..، المهم في الأمر ألا تنسوا القضية”. وبالفعل احتاج الأمر نحو مئة عام ليظهر البطل صلاح الدين الأيوبي ويعيد القدس لحاضنتها العربية الإسلامية.
أدعو من يقرأ هذا المقال للتحلي بالتفاؤل والإيجابية، والنظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، وأسأل الله تعالى أن يلم شملنا نحن العرب مرة أخرى، وأن نتمكن من النهوض مجددا لنسهم بفاعلية في الحضارة الإنسانية.