كم كان مشرفا ومبعثا على الفخر رؤية القائمين على شؤون المرأة في البحرين في مقر الأمم المتحدة في نيويورك في مارس الماضي وهم يطلقون النموذج البحريني في تمكين المرأة عالميا، ويدعون دول العالم للاستفادة منه من خلال جائزة سمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة العالمية لتمكين المرأة.
واليوم تحتفي مملكة البحرين بيوم المرأة البحرينية، هذه المرأة التي كانت على الدوام رائدة في مجالات مختلفة، وتاريخ البحرين الحديث يخبرنا أن التعليم النظامي للإناث هنا بدأ منذ نحو مئة عام، نعم مئة عام، وهذا ما وفر للمرأة بيئة مواتية عززت فيها ريادتها المبكرة في مجالات الصحة والرياضة والإعلام والقانون والاقتصاد وحتى المجالات العسكرية والشرطية.
نرى الآن المرأة البحرينية على رأس الهرم التشريعي في مجلسي الشورى والنواب، ونراها وزيرة وسفيرة، وفي غرفة التجارة، ومجالس إدارة كبرى الشركات، نراها عداءة في الاولمبياد، وأكاديمية لامعة في أعرق الجامعات، ونراها أيضا في قمرة قيادة الطائرات، نعم، فقد سجلت البحرين حضور نحو عشرة من نسائها يقدن الطائرات.
إن نهضة المرأة البحرينية جزء أساسي من نهضة المرأة الخليجية، وأنا أرنو بإعجاب إلى تسارع حرك الانفتاح الحضاري والثقافي التي تشهده المملكة العربية السعودية، وخاصة فيما يتعلق ببناء القدرات الوطنية وتفعيل طاقات المرأة السعودية على وجه التحديد، ورفع مساهمتها في تحقيق الرؤية السعودية 2030، فقد أصحبت المرأة هناك عضوا في مجلس الشورى، وبات بإمكانها قيادة سيارة، وهي إنجازات وأن تأخرت قليلا، لكنها تبشر بانطلاقة قوية تراعي أهمية كسب ثقة المزيد من شرائح المجتمع السعودي بأهمية دعم المرأة.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة تمكنت المرأة من قيادة طائرات حربية، وفي الكويت نستمتع إلى برلمانيات ربما لا نشهد مثيلا لأدائهن على مستوى برلمانات المنطقة والعالم.
لكننا وبينما نعمل على تمكين المرأة، يجب ألا نخجل من إجراء عملية توصيف دقيق للتحديات التي لا زالت تواجه المرأة في مجتمعاتنا، بما في ذلك التحديات الدينية، وأن نتحلى بالشجاعة اللازمة للرد على أولئك الذين لا زالوا يعيشون في العصر الجاهلي، ويرون أن المرأة مجرد “متاع”، ويحجبون عنها ضوء النهار.
نحن ندرك أن المهمة الأساسية الأزلية للمرأة هي ضمان استمرارية الجنس البشري، وتنشئة أسرة صالحة، وتربية الأولاد على فضائل الأخلاق، وهذا الدور العظيم الذي تقوم به أساسي من أجل استقرار المجتمع وتقدمه ونهضته.
لكننا يجب أن ندرك أيضا أنه كلما ارتقينا بوعي المرأة الثقافي والحضاري، وكلما زاد هامش الحرية الشخصية والاجتماعية والاقتصادية الذي تعيش ضمنه، كلما تعززت قدرتها على القيام بهذا الدور على أكمل وجه، فليس أخطر على المجتمع من امرأة متخلفة جاهلة تتمسك بعادات وتقاليد بالية، بل وتورثها لأبنائها وبناتها.
وإن رجال الدين تحديدا مدعويين اليوم أكثر من أي وقت مضى للعب دور إيجابي في دعم مسيرة نهضة الأمة عبر رفع مشاركة المرأة في هذه النهضة، وتحييد الأصوات التي تبرر ضرب النساء وتعنيفهن ومعاملتهن كبشر من الدرجة الثانية.
لقد شكَّل صدور قانون الحماية من العنف الأسري في مملكة البحرين بادرة جيدة من نوعها، وكذلك إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحماية المرأة من العنف، كما صدر قانون الأسرة الموحد بعد نضال طويل من أجل إنصاف المرأة الجعفرية وإعطائها حقوقها في الحضانة والميراث وغيرها، وهذه كلها أمور تحسب للجهود الوطنية الساعية إلى دعم المرأة.
لكني اعتقد أنه لا يجب الاكتفاء بوضع الدساتير والتشريعات والقوانين التي تساوي بين المواطنين، وتعاقب المعتدين، بل إن نقطة الارتكاز الأساسية هي الوعي المجتمعي بأهمية ذلك كله، وبأن المرأة هي الأخت والأم والزوجة والابنة والعاملة والزميلة، وكلهن يحظين بحق إثبات الذات والاستقلالية والمساهمة في نهضة المجتمع تماما كما الرجل.
وأنا اعتقد أن الدنيا أم، وأن كثير من عظماء العالم لم يكونوا كذلك لولا فضل أمهاتهم، لأن الأم هي المدرسة التي تربينا قبل المدرسة، وهي التي تزرع فينا بذور الوعي والإدراك السليم للأشياء وحب التميز وشغف التفوق.
أود أن أشير إلى نقطة مهمة أيضا، وهي ضرورة أن نكون حذرين ولا نبلغ في سن القوانين وإصدار اللوائح التي تحمي المرأة وتميزها عن الرجل مثل قوانين مد إجازة الولادة، ومنح ساعات رضاعة مطولة، وإجازة ما تسمى بـ “العِدة” بعد الطلاق أو وفاة الزوج، وغيرها، فهذه القوانين ربما تدفع بشركات القطاع الخاص إلى التفكير أكثر من مرة قبل أن تأخذ قرارا بتوظيف المرأة.
في الإطار ذاته يجب ألا يكون توظيف المرأة من أجل تحقيق شيء من التنوع أو “الكوتا” في كادر الموظفين، وحصر وجودها في الأعمال التقليدية مثل السكرتارية والاستقبال والعلاقات العامة، وإنما يجب أن تبادر المرأة ذاتها إلى إثبات أنها قادرة على التصدي لمهام ومتطلبات العمل المختلفة.
نتحدث دائما عن أهمية مواجهة التحديات الاقتصادية الصعبة من خلال تعزيز الاستفادة من الثروة البشرية الوطنية ورفع انتاجيتها، وادماجها أكثر في اقتصاد المعرفة المنشود، وأكاد أقول إن الاستثمار في المرأة يوازي أو يفوق أهمية الاستثمار في أية مجالات أخرى، خاصة إذا عرفنا أن دراسات دولية تشير إلى أن ادماج المرأة في الحياة العامة يسهم بتسريع وتيرة التنمية أكثر من 14%.
نحن مطمئنون إلى مسيرة تمكين المرأة البحرينية، وفخورون بما حققته المرأة البحرينية من إنجازات تعكس التنوع الحضاري والثقافي العريق في البحرين، ونطلع معا إلى مستقبل مزدهر تنعم فيه بناتنا وننعم جميعا بمزيد من التنمية والازدهار.