يمكن أن يكون الاستياء من أداء النواب ظاهرة أو هواية، فلنصف ساعة متواصلة تحدث شخص في مكتبي مؤخرا عن فشل النواب، والرواتب العالية والامتيازات الكبيرة التي يحصلون عليها دون أن يحققوا أية إنتاجية ملموسة، وما يرتبه هذا من زيادة في الأعباء على البحرينيين.
استرسل في كلامه كثيرا، وعندما حصلت أخيرا على فرصة تعليق على كلامه قلت له مباشرة “يجب أن تخصص الكثير من الوقت في تصفح وسائل الإعلام المحلية لفهم تفاصيل الأمور التي تتحدث عنها”، فرد عليَّ أنه لا يقرأ الصحف أبدا.
إن جزءا من مشكلتنا هو تسليمنا المسبق بأن ممثلينا يضحكون علينا ويغشوننا ويهدرون أموال الدولة، ونتيجة لذلك نحن لا نشعر بالحاجة إلى التحقق ما إذا كانت أفكارنا صحيحة.
لقد وصل اليأس ببعض الناس إلى حد تمني إعادة انتخاب جميع النواب الحاليين للدورة القادمة حتى ولو كان بعضهم عديم الإنتاجية، وذلك لتجنيب ميزانية الدولة عبء تحمل دفع تقاعد النواب الخارجين مضاف إليها رواتب بدلائهم من النواب الجدد، وبما يؤدي لتوفير عشرات آلاف الدنانير على أقل تقدير.
ربما نحرص على الحضور مبكرا إلى الخيمة الانتخابية الخاصة بالمرشح، ونؤكد على جميع أفراد عائلتنا وزملائنا بأهمية انتخابه، لكننا نمضي السنوات الأربعة بعد فوزه نشتكي منه، وبعدها نعيد الكرَّة مرة أخرى دون أن نشعر بأهمية أخذ الأمر بالجدية التي يستحق، والتوقف عن اجترار اليأس، وإدراك أهمية تطوير هذا التجربة الديمقراطية الرائدة على مستوى المنطقة.
انطباعي هو أن ممثلينا في مجلس النواب ليسوا جيدين كما نطمح، لكنهم ليسوا سيئين كما نشتكي، حيث أن الكثير من الشكاوى تستند على الجهل بما يقوم به النواب داخل البرلمان، فليس أعضاء البرلمان هم الذين يتخذون القرارات النهائية بشأن تحسين أجور القطاع العام مثلا، وحتى لو تمكنوا من فعل ذلك فسنجد أنفسنا قد سقطنا في أزمة ديون أكثر كارثية مما نواجهه حاليا.
إن اختصار الإرادة الشعبية العامة في بضعة عشرات من النواب ليست حالة مثالية أبدا، حتى أن الفيلسوف جان جاك روسو ذكر في كتابه الشهير “العقد الاجتماعي” أن “نواب الشعب ليسوا ممثلين عنه، ولا يمكن لهم ان يكونوا كذلك، لأنهم ليسوا الا مندوبين عنه، وليس بمقدورهم أن يقروا أي شيء البتة. إن كل قانون لا يصادق عليه الشعب باطل”.
لكن روسو نفسه لم يطرح بديلا عمليا عن مجلس النواب، ولا يمكن منطقيا جمع الشعب كله في كل مرة نحتاج إلى سن تشريع أو إقرار اتفاقية، ويبقى البرلمان هو القناة الديمقراطية الأكثر فاعلية، على الأقل في هذه المرحلة من تطور الأنظمة السياسية.
إن أعضاء البرلمان والسياسيين الذين يشرفون على شؤون البلاد في وقت تعاني فيه مشقة اقتصادية حادة لن يحظوا بشعبية عالمية، لكنني أشعر بخيبة أمل لأن النواب لم يؤدوا إلا دورا محدودا في مجال تبني مبادرات اقتصادية تخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية في البحرين، وهذا جزء من فشلنا في اختيار ممثلينا.
في بعض الدوائر الانتخابية في العام 2014 بدا أن المنافسة الرئيسية بين المرشحين كانت حول من يمتلك لحية أكبر، وظهر أن العديد من المرشحين الفائزين ليس لديهم أي خبرة مفيدة في مجال الخدمة العامة، ولا مؤهلات مفيدة، ولا جدول أعمال واقعي. عندما ننتخب شخصا يفتقر إلى أي مهارات أو خبرة ويفشل، فمن يجب أن يتحمل المسؤولية؟ نحن أم هو؟
المحامون والاقتصاديون والإداريون ذوي الخبرة قد لا يكونوا أجمل الوجوه على لوحات الإعلانات، ولكننا في حاجة ماسة إلى أكبر قدر ممكن من الخبرة والمهارات اللازمة لنجاح برلماننا. وفي المقابل، يميل مجلس الشورى المعين إلى التعيينات ذات المستويات المرتفعة مع مجموعة واسعة من التكنوقراط والأشخاص ذوي الخبرة. ونتيجة لذلك، يبدو مجلس الشورى أحيانا هيئة أكثر فعالية لمعالجة التشريعات المعقدة وفحصها.
يقول تشرشل “إذا أردت أن تعرف أي شعب في العالم أنظر إلى برلمانه ومن يمثله فيه وبعدها سوف تعرف أي الشعوب هو”.
لقد تمكنت من تحقيق ذاتي في مجال الأعمال، ولكني لو (لا قدر الله) وجدت نفسي ذات يوم تحت قبة البرلمان فأعتقد أن مهام جسيمة ستكون ملقاة على عاتقي من بينها حلحلة تعقيدات الآلاف من صفحات الصحة العامة أو اللوائح القانونية أو التفاصيل القانونية للاتفاقيات الضريبية الثنائية مثلا، لذلك نحن بحاجة إلى أن نرسل أفضل عقولنا إلى البرلمان إذا كنا نتوقع بجدية أن يقوم النواب بدور بناء في مناقشة مجموعة كاملة من القضايا المعقدة بشكل كبير من أجل تحقيق أفضل النتائج لأمتنا وللمواطنين العاديين.
لقد رأيت اثنين من اجتماعات المشاركة العامة حيث المواطنين يصرخون ويوجهون الانتقادات غير الواقعية إلى نوابهم دون إعطائهم فرصة جادة للرد، في هذه الظروف، أنا لست مندهشا لأن بعض النواب يترددون في عقد اجتماعات علنية، ويجب أن تكون هذه المشاركة مستنيرة وناضجة ومركزة؛ وليس مجرد فرصة لنا لتفريغ كل ما لدينا من الغضب المكبوت والإحباط على شخص نريد اعتباره مسؤولا عن جميع مشاكلنا.
لقد شكَّل إعادة إطلاق جلالة الملك للنظام البرلماني في العام 2001 نقطة فاصلة في تاريخ البحرين السياسي، والمسؤولية الآن تقع علينا جميعا لإنجاح هذه العملية، فأوجه النقص في البرلمان هي في نهاية المطاف أوجه قصورنا نحن في ضمان إسماع أصواتنا عبر إرسال أفضل ممثلين ممكنين للتحدث بالنيابة عنا.
المشهد الانتخابي القادم لا زال ضبابيا، والتكتلات الانتخابية ومراكز القوة تتغير بين حين وآخر، وبينما سمعنا أن عددا من أعضاء مجلس إدارة غرفة التجارة الحالي لن يرشحوا أنفسهم للدورة القادمة بعد ثلاثة أشهر، لم نسمع أن أحدا من النواب لن يقوم بذلك، ويبدوا أن الكرسي النيابي أكثر راحة وإغراء.
لدينا الآن سنة واحدة فقط قبل انتخابات عام 2018. سنة واحدة للبرلمانيين الأفراد لإثبات أنفسهم أو مواجهة الهزيمة في صندوق الاقتراع؛ سنة واحدة من سن التشريعات التي تؤثر على جميع حياتنا -ولكن أيضا سنة واحدة بالنسبة لنا لضمان أن نحصل على أفضل النتائج من برلماننا.
إن المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حقق إنجازات جمة وتقدما كبيرا للبحرين، ولكن هذه الإنجازات تجني ثمارها فقط عندما نعمل جميعا معا لنجاحها.