تكاد البحرين تشكل ظاهرة فريدة من نوعها في التعايش والتسامح والانفتاح في عالم تبرز فيه ظواهر التعصب والانكفاء وإقصاء الآخر والرغبة في الانعزال والاستقلالية.
وتقدم البحرين بالفعل نموذجا يحتذى به في الاستقرار السياسي والاقتصادي وتماسك الدولة الوطنية رغم كل المؤثرات الخارجية الساعية إلى إثارة الفتن وتفتيت البلد. وخلال المئة عام الماضية على أقل تقدير تعرضت هذه الدولة الصغيرة إلى مؤامرات كبرى أحدثت هزَّات عنيفة سياسيا واجتماعيا، لكن البحرين استطاعت في كل مرة امتصاص الصدمة والخروج أقوى من ذي قبل.
ويدرك البحرينيون جميعا أن العيش المشترك في إطار الوحدة الوطنية هو مصيرهم المحتوم، فلا الجغرافية ولا التاريخ ولا الاقتصاد يسمح لهم بالتفرقة، وهناك إدراك شبه عام حول أن أي محاولة عبث بموازين القوى داخل البحرين سيعود بنتائج كارثية على الجميع، وقد تعزز هذا الإدراك بعدما شهده الجميع من أحداث عنيفة في بلدان أخرى مثل سوريا وليبيا والعراق وغيرها.
ويفسر هذا الدرجة الكبيرة التي وصلنا إليها من الاطمئنان إلى مستقبلنا ومستقبل أولادنا ومستقبل استثماراتنا ورهاننا الرابح على المستقبل، ويتوَّج كل ذلك وجود جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الذي يمثل بنظرته الثاقبة للأمور واستشرافه للمستقبل صمام أمان البحرين من عاديات الزمان.
في كل مرة نقرأ فيها مقال جلالته المنشور مؤخرا في صحيفة واشنطن تايمز ندرك مدى عمق رسالة البحرين للعالم، رسالة الأمن والسلام، الأمن المغروس في النفوس منذ الأزل وليس المفروض بقرار أممي، يقول جلالته في مقاله “في مملكة البحرين، نشأنا على مدى قرون مع جيران من جميع الأديان والثقافات الأعراق، لذلك نحن سعداء لأننا نعيش في مجتمع متعدد الثقافات ومتعدد الأعراق، ونحن ندرك هذا التنوع كوسيلة طبيعية من الحياة بالنسبة لنا في البحرين”.
في الحقيقة أنا لا تقلقني دعوات التشدد والتعصب التي تنادي بها جماعات مختلفة في البحرين، لأنني واثق تماما من حكمة قيادتنا الرشيدة في التعامل مع هذه الدعوات، وتفريغها من مضمونها واستيعاب أصحابها دون الصدام معهم.
وقد أتفهم رؤية إعلان في قرية من قرى البحرين يطلب من النساء الأجانب لبس الحجاب على غرار ما تفعل معظم سيدات وفتيات تلك القرية –وهو إعلان انتشر بالفعل وكتبت عنه سابقا-، لكن ما يثير استغرابي بالفعل هو دعوة –بل مقترح بقانون- يصدر من عدد من أعضاء مجلس النواب حول “أسلمة التعاملات المالية في البحرين” مثلا، أو إقرار قانون يُجرِّم وضع الوشم على الجسد!، رغم ذلك لا ألقي لمثل هذه الدعوات بالاً لأنني أدرك أنها لن تمرر من قبل الحكومة.
أيضا يرى بعض الناس هنا أن قيادتنا يجب أن تكون أكثر صرامةً في التعامل مع المخرِّبين مثلا، وإنزال أقصى العقوبات بهم، وعدم التساهل أو التسامح معهم، لكن طالما أثبتت القيادة أن الحكمة والحلم أفضل من البطش، فالكل أولادها، ومن يخطأ منهم يثير شفقتها قبل غضبها، عله يعود إلى رشده.
أقول صراحة إن البحرين ليست في مقدمة الأسواق التي أنشط بها، فأعمالي في معظم دول المنطقة وفي بريطانيا وأستراليا وغيرها أكثر ازدهارا، ومرودها المادي أكبر من أعمالي في البحرين، رغم ذلك أنا متمسك بل ومصر على إبقاء المقر الرئيسي لأعمالي في البحرين، وأخد البحرين مقرا ومستقرا لي شخصيا، لقد كان هذا خياري منذ ثمانينات القرن الماضي، وسيبقى.
السبب في ذلك هو ما أجده هنا في البحرين من انفتاح ثقافي وحضاري واجتماعي قلَّ نظيره في بلد آخر، والقدرة الكبيرة على بناء العلاقات الراسخة، ومقدار الثقة المرتفع بين الناس، والطيبة والانفتاح التي تسود البحرين والبحرينيين، إضافة إلى الشعور غير المتناهي بالاستقرار من جميع النواحي. وهناك سبب آخر هو إيماني برسوخ النظام السياسي في البحرين، ما يشكل مبعث كل أمن واستقرار.
كرجل علاقات عامة اعتقد أننا جميعا بحاجة لتعزيز نشاطنا في الترويج للبحرين كما نراها بلدا للانفتاح والتعايش السلمي، وكما يراها الأجانب بيننا أيضا، فمن المفارقات الغريبة ما تسمعه من بريطاني يعيش في البحرين ويمتدح أهلها ويخطط للتقاعد مع عائلته فيها، وما تسمعه من بريطاني آخر مقيم في لندن مثلا ولا يعرف عن البحرين إلا ما تبثه وسائل الإعلام المغرضة من أكاذيب!.
ولا بد هنا من أشيد بمبادرة إطلاق “مركز الاتصال الوطني” الذي سيكون على عاتقه تقديم البحرين للعالم كما هي بالفعل بعيدا عن الأكاذيب والتشويه، واعتقد أن عملا كبيرا يقع على عاتق القائمين على هذا المركز لناحية صياغة الجهود الوطنية جمعيها وتوجيهها في هذا الاتجاه، مع الحذر من الوقوع في خطأ الخطاب السردي المباشر، وضرورة انتاج محتوى إعلامي مبتكر يصل للعالم وفق القنوات الصحيحة ويحقق الأثر المطلوب.
إن التنوع هو سنَّة الله في خلقه، فقد خلقنا سبحانه وتعالى من ذكر وأنثى وشعوب وقبائل لنتعارف، ولو شاء لجعلنا على هيئة واحدة، بلون وعقل وإحساس واحد، لكننا سنكون حينها نسخا مكررة عن بعضنا البعض، وكأننا آلات، وستصبح حياتنا بائسة ومملة جدا.
يجب أن نكون جميعا مراسلين لوطننا، في الواشنطن تايمز وغيرها، في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي أحاديثنا المباشرة مع بعضنا البعض ومع العالم، نستلهم المعاني السامية في مقال جلالة الملك، ونبني عليها، ونقدم البحرين للعالم وفقا للصورة التي تستحق: بلد التنوع والتعايش والتسامح والازدهار.