لماذا نحن جميعا بحاجة إلى عطلة؟

غالبا أجد أنني لم أكن أعرف كم كنت بحاجة إلى عطلة حتى أبدأ بعطلتي بالفعل، فالعمل الشاق لساعات طويلة وأيام ممتالية قد يكون مجزيا، ولكن عندما نُحمِّل أنفسنا ما لا طاقة لنا به نجد أننا فقدنا انتاجيتنا وقدرتنا على الابتكار في نهاية المطاف، وسواء أكنا نعترف بذلك أم لا، يجب القول إنه بعد العمل لساعات طويلة، يوما بعد يوم، سنصل في نهاية المطاف إلى مرحلة نملك فيها أعمالنا بأنفسنا دون أن نضطر للعمل عند أحد.

يمكننا أحيانا العمل بشراهة لعدة أسابيع ممتالية، دون أن نمنح أنفسنا أكثر من بضع ساعات نوم يوميا، ونكافح لإبقاء عقولنا يقظة ونوجه جميع جوارحنا للتركيز فقط على انجاز العمل وتسليمه في الوقت المحدد حتى أننا نصل في بعض الأحيان إلى مرحلة لا ندرك فيها ما يجري حولنا، ولا شك أنه كلما دفعنا عقولنا وأجسادنا في هذا الاتجاه أكثر كلما زاد احتمال ارتكابنا لأخطاء كارثية؛ كحادث في مكان العمل، أو خطأ في عملية التصنيع يمكن أن يكلف الشركات ملايين الدولارات.

وغني عن القول أنه عندما ندخل في مثل هذه الحالة، فهذا يعني أننا توقفنا منذ فترة طويلة عن أن نكون أفرادا منتجين خلَّاقيين بأذهان صافية، لكن عندما نتوقف من اجل التقاط أنفاسنا وتخفيف الضغط على أنفسنا ندرك حجم التوتر والتعب -وربما الضرر الذي لا يمكن إصلاحه- الذي ضرب أجسادنا وعقولنا.

إن أجسادنا ليست مصممة للعمل 18 ساعة باليوم لمدة 6 أو 7 أيام في الأسبوع، وربما يمكننا العمل وفق هذه الصيغة لفترة من الوقت، ولكننا بالتأكيد سنعمل بمستوى أقل من الكفاءة والابداع، وسندمر صحتنا في نهاية المطاف.

اعقتد شخصيا أن ما تسمى بقاعدة باريتو أو قاعدة 80/20 لها تطبيقات كثيرة من بينها مسألة الانتاجية، فنحن نحقق 80% من أهدافنا من خلال 20% فقط أنشطتنا، كما أن 80% من حجم انتاجنا اليومي يتم خلال 20% من مدة العمل اليومي التي نخصصها لهذا الانتاج والتي نصل فيها إلى ذروة تدفق الأفكار والحيوية.

أنا أخرج بأفضل أفكاري عندما أكون خارج المكتب، في بيئة محفزة ومختلفة، حيث أتمكن من التخلص من نمطية التفكير التي تفرضها عادة أجواء المكاتب، وأستطيع أن أرى العالم وأهدافي المهنية من منظور جديد، واعتقد أنه يجب على كل قائد مستنير أن يشارك هذه الطريقة مع موظفيه إذا كان يريد الحفاظ عليهم في أفضل حالاتهم الانتاجية والابداعية.

واحد من أسوأ أنواع المديرين هو ذلك الذي يحبس نفسه في المكتب من الساعة السابعة صباحا حتى التاسعة ليلا، حيث أنه في بيئة عمل تنافسية يبدأ الموظفون الآخرون يشعرون بأنهم مضطرون للقيام بالشيء ذاته حتى لو اضطروا إلى هدر كمية كبيرة من ساعات عملهم يحدقون إلى شاشة الكمبيوتر الفارغة.

الموظفون الذين يحظون باهتمام ذو طابع إنساني من قائدهم، ويعملون لعدد معقول من الساعات في بيئة توازن بين حياتهم المهنية والصحية، يكونون عادة أكثر كفاءة وانتاجية وأكثر ديناميكية في استكشاف الأعمال الجديدة والفرص وتحقيق الأرباح لمؤسستهم.

إن علم الموارد البشرية الحديث وجد أن الإبداع والابتكار مرتبط ارتباطا جذريا بإعطاء الموظفين حرية أكبر في الحضور والانصراف واللباس وحتى القيام بأشياء تبدو مجنونة داخل بيئة العمل المفتوحة، وربما هذا أحد أهم أسباب ارتفاع انتاجية القطاع الخاص مقابل القطاع العام الذي لا زال جل اهتمام المديرين فيه هو الالتزام بوقت حضور وانصراف الموظفين والحصول على ولائهم.

ويمكنني أيضا أن أقول من تجربة الشخصية إن أماكن العمل التي تتسم بالجدية المفرطة ويمضي الجميع فيها ساعات عمل مجنونة تصبح سيئة بائسة كئيبة، حيث تكون أعصاب الجميع مشدودة، وتشتعل الخلافات والتوترات بينهم إزاء أبسط القضايا، عندها تسوء الأمور أكثر وتُرتَكب الأخطاء، ويبدأ الموظفون ذوي الروح المعنوية المتدنية بتقاذف اللوم المرير فيما بينهم في حلقة مفرغة تفضي إلى الفشل الذريع للمؤسسة ككل.

أتذكر أنني ممرت بتجربة مماثلة عندما وجدت بيئة عمل بائسة سائدة في أحد مكاتبنا، فكان أن قمت بحظر العمل الإضافي، وأمرت بعض الموظفين المحبطين جدا بالخروج في إجازة، كما نظمت بعض الأنشطة الترفيهية خلال ساعات العمل بحيث أتيحت للموظفين فرصة الاسترخاء والتواصل مع بعضهم البعض، وكانت النتيجة ارتفاع الإنتاجية والإبداع، وانتقال المكتب من حافة هاوية الانهيار إلى رصيف النجاح.

نحن بشر ولسنا آلات، وعندما نحاول إجبار أنفسنا أو موظفينا على العمل مثل الآلات سنحصل في نهاية المطاف على نتائج عكسية، وإرغام الموظفين على العمل ساعة إضافية لن يعود بالنتائج المنشودة على انتاجية ومبيعات المؤسسة، بل ربما يحدث العكس بمرور الوقت.

كما العطلات والاستراحات خلال العمل ليست عقبات أمام إنتاجية أعلى، بل هي فرص أساسية لإعادة شحن بطارياتنا، وتوسيع آفاقنا، وصفاء أذهاننا، لنكون على استعداد للعودة إلى مكان العمل بطاقة متجددة وحماس.

الأسود وغيرها من الحيوانات آكلة اللحوم تمضي مدة ليست قصيرة من يومها لا تفعل شيئا سوى التمدد في الظل وهضم طعامها ببطئ يوحي بالكسل، ويمكن للمرء أن يعتقد أنه بإمكان تلك الحيوانات استثمار هذا الوقت المستقطع في زيادة الانتادية واصطياد والتهام عدد أكبر من الفرائس لتصبح أقوى وأكثر نشاطا، ولكن العكس هو صحيح، حيث أن فترة الاستراحة هذه للأسود هي جزء أساسي من يومها المفعم بالحيوية، وبما يتيح لها تعزيز قوتها وإراحة عضلاتها والاستعداد لبضع دقائق من الجهد المكثف عندما يجب أن تنطلق خلف فريستها الجديدة.

وبالمثل، فإن الكثير من الموظفين يهدرون الكثير من ساعات عملهم يتحركون هنا وهناك بما يعطي انطباع بأنهم مشغولين، لكنهم في الحقيقة يضيِّعون وقتهم وربما وقت زملائهم أيضا، فيما نوعية أخرى من الموظفين قادرون على الانتاج عبر توجيه طاقاتهم بشكل فعال في بضع ساعات فقط من الجهد المركز، وبوصفنا أرباب عمل وموظفين فإننا جميعا نستفيد من إنفاق وقت أقل في القيام بالمزيد.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s