عندما تصاب المملكة العربية السعودية بالبرد، تبدأ أعراض الزكام بالظهور على باقي دول الخليج العربي، وعكس ذلك بديهيا هو أنه عندما تكون المملكة العربية السعودية بصحة ممتازة، تعم الحيوية والنشاط سائر أرجاء الخليج العربي.
لهذا يحق لنا جمعيا أن نحتفي بالتحولات الاقتصادية الاستثنائية التي تتتخذها قيادة المملكة العربية السعودية في مواجهة التحديات الناجمة عن تهاوي أسعار النفط وارتفاع فاتورة تكلفة حفظ الأمن والاستقرار، والحفاظ على مستوى معيشة لائق للمواطنين وتعزيز مكتسباتهم، وهو ما تجسد مؤخرا في إعادة البدلات والمكافآت للعاملين في القطاع العام إلى مستوياتها السابقة.
وهذا يؤكد مرة أخرى التوجه الحثيث لدى قيادات وحكومات السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي نحو ضمان بل وتعزيز مستويات الرفاهية المتقدمة لمواطنها كلما سمحت الظروف بذلك، ويثبت أن العوائد التي تتدفق إلى ميزانية الدولة تستخدم بشكل فعال لصالح مواطني دول مجلس التعاون الخليجي.
وليس هناك من شك في أن المستثمرين في قطاع السياحة والضيافة في البحرين هم أكثر الناس سعادة بقرار الملك سلمان إعادة بدلات ومكافآة الموظفين السعوديين، خاصة وأن أحدث إحصائيات وزارة التجارة والصناعة والسياحة تشير إلى أنه زار البحرين العام الماضي نحو 13 مليون سائح أكثر من 11 مليونا من بينهم سعوديين.
لقد شعرنا جمعيا بدرجات متفاوتة من الانكماش الاقتصادي على مدى العامين الماضيين، والسبب الرئيسي لذلك هو الانخفاض الحاد في عائدات النفط، ولمسنا أن أخواننا وأخواتنا في دول مجلس التعاون الخليجي باتوا ينفقون أقل بشكل أو بآخر، إضافة إلى أن الناس عادة يقللون من معدلات إنفاقهم بنسبة تفوق معدلات الخفض الحاصل على مداخيلهم كردة فعل طبيعية خوفا من أن تسوء الأمور أكثر، ولأنه عندما تقوم الحكومات بضخ أموال أقل في عروق الاقتصاد تتجه السيولة والحيوية في القطاع الخاص إلى الانخفاض ويتباطئ كل شيء بل ويتوقف أحيانا.
وهكذا، كلما وجدت المملكة العربية السعودية وحكومات دول مجلس التعاون الخليجي نفسها في وضع أفضل لزيادة الأجور، وإعادة تشغيل المشاريع والبدء في استثمارات جديدة، سنشهد زخما وثقة أكبر يعودان إلى اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي ككل.
كما أن زيادة استقرار أسعار النفط ستعزز الثقة في الأعمال التجارية وتيسر التخطيط طويل الأجل، وفيما بات من غير المرجح أن نرى أسعار النفط ترتفع لأكثر من 100 دولار للبرميل على المدى القريب أو المتوسط، يمكننا أن نأمل أن الفترات الأكثر صعوبة عندما انخفضت الأسعار لنحو 27 دولارا باتت خلفنا، ففي غضون عامين فقط شهدت البحرين انخفاضا بنسبة 50٪ في عائدات النفط، من 16 مليار دولار في عام 2014 إلى 8 مليارات دولار في عام 2016. وعلى الرغم من صعوبة الأمور، إلا أنه من المدهش كيف نجحت البحرين نسبيا في الحد من التأثير السلبي لهذا الانخفاض الكارثي في الدخل على الاقتصاد ككل.
التحديات الاقتصادية الكبيرة التي نمر بها على المستوى الوطني منذ قرابة سنتنين فتحت أعيننا أكثر على مواطن الهدر وضعف الانتاجية في القطاع الحكومي، وعلى بعض أنشطة القطاع الخاص غير المنتجة، ودفعتنا إلى إلقاء نظرة دقيقة على كيفية إنفاق كل دينار من أموالنا العامة والخاصة.
والجانب الإيجابي في هذه الأزمة الاقتصادية هو أننا نجحنا على مستويات مختلفة في تقليل الهدر وتفعيل الكفاءة والمساءلة، ولم نعد نتوقع أن نرى حشودا ضخمة من مرافقي المسؤولين يسافرون على مقاعد الدرجة الأولى ويمضون وقتهم بين الفنادق والمجمعات التجارية في رحلات عديمة النفع للدولة، كما نترقب أن تصدر ميزانية الدولة للعامين 2017- 2018 متضمنة ضوابط إنفاق صارمة، مقابل الحفاظ على مكتسبات المواطنين في الصحة والتعليم والإسكان وغيرها.
إن طرح جزء من عملاق النفط العالمي “أرامكو” للاكتتاب يعني أن النظام الحكومي السعودي أصبح أكثر شفافية وخضوعا للمساءلة من أي وقت مضى، وذلك كشرط لجذب المستثمرين المحتملين وطمأنتهم، كما أن التدابير القانونية المتخذة ضد وزير الخدمة المدنية السعودي السابق بسبب سوء الممارسة ترسل أيضا إشارة مهمة حول أنه لا أحد فوق القانون. وينبغي أن يمتد هذا التوجه ليصبح نموذجا لأفضل الممارسات في جميع دول مجلس التعاون الخليجي ومن بينها البحرين، حتى يتمكن المواطنون وجميع أصحاب المصلحة من معرفة كيفية إنفاق كل دينار من المال العام، وزيادة مراقبة مفاصل الجهاز الحكومي، وضمان المساءلة.
لقد كانت تقارير ديوان الرقابة المالية خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح للبحرين، ويجب علينا التأكد من أنه مع مرور كل سنة يتم التعامل مع أوجه القصور في الإنفاق، كما يجب محاسبة المسيئين للمال العام.
هناك ميل لنا كمواطنين لتجاهل ما يقوم به زعماؤنا ومسؤولونا عندما تسير الأمور على ما يرام، لكننا سرعان ما نبادر إلى إلقاء اللوم –عن جهل- عندما نفاجأ بالتحديات العامة، وبدلا من ذلك، ينبغي لنا جميعا أن نرى أنفسنا أصحاب مصلحة في نظامنا الحاكم، مع الاهتمام بالکیفیة التي يؤدي بھا أعضاء البرلمان وموظفو الخدمة المدنیة عملهم، وأن یکون لدینا رأينا حول القضایا التي تھمنا خلال الأوقات الجيدة والسیئة.
القرآن يحثنا على الصبر والتفاؤل بالفرج، ويخبرنا أن المشقة لا تدوم، وقصة رؤية النبي يوسف عليه السلام تعلمنا كيف أنه يتوجب علينا ادخار جزء من خيرات سنوات الخير لاستخدامه في السنوات العجاف، وإذا كنا كدولة قد تعلمنا بالفعل من الدروس المستخلصة في السنوات الأخيرة حول كيف يمكن أن نعيش في حدود إمكانياتنا مقابل زيادة كفاءتنا وانتاجيتنا، فإننا سنكون عندها مستحقين لمعدلات أعلى من مستويات المعيشة بل والرفاهية المرتقبة في الأشهر والسنوات القادمة.