القصة الإخبارية المهيمنة هذه الأيام هي كيفية سحق داعش في الموصل وأجزاء من سوريا، ونسمع الخبراء العسكريون يقولون إنه في وقت لاحق من هذا العام قد لا يكون داعش مسيطرا على أي أجزاء كبيرة من الأراضي وربما يكون التنظيم قد سحق تماما، لكن لماذا لا نشعر بالإطمئان التام حول أن هذا الكابوس المرعب سينتهي للأبد؟
سألني أحدهم مؤخرا عما إذا كنت أعتقد أن صعوباتنا مع الجماعات المتطرفة مثل داعش تعكس مشكلة دينية بالأساس، فأجبت بالنفي، وقلت إنها مشكلة “غراس”، فماذا كنت أعني بذلك؟
إذا خرجت غدا بفأس إلى حديقة منزلي الخلفية وقطعت تلك الشجرة الباسقة التي استغرقت سنوات وربما عقود لتصبح على ما هي عليه الآن من جمال، فهل ستنمو شجرة مماثلة أخرى في مكانها؟ لا. وإنما سيمتلأ مكانها بالأعشاب الشائكة والقبيحة التي من شأنها أن تنتشر وتخنق النباتات في أجزاء أخرى من حديقتي.
إذا تعاملت دول المنطقة مع تنظيم داعش كما تُعامَل المزارع التي تدار بعناية، فإن الأعشاب السامة والشائكة التي يمثلها التنظيم لن يكون لها مكانا تنتشر فيه، ولا توجد أراض زراعية خالية من الأعشاب الضارة، ولكن الإدارة المسؤولة للأرض تمنع تلك الأعشاب من أن تصبح خطرا على المحاصيل.
في دول مستقرة تحظى بإدارة جيدة يمكن للإرهاب أن يكون إزعاجا وليس تهديدا وجوديا. يمكن لمجنون مدعوم من داعش أن يدهس حشدا من الناس بشاحنته في مدينة فرنسية، ولكن لا أحد يتوقع استيلاء داعش على فرنسا أو أوروبا في وقت قريب. وبالمثل، فإن حفنة من المتطرفين الذين يشنون هجمات متفرقة على الشرطة في مناطق معينة من المملكة العربية السعودية لن يتمكنوا من التسبب لنا بأي قلق حول سلامة دول مجلس التعاون الخليجي المدارة بشكل جيد.
داعش لا تشكل تهديدا حقيقيا إلا في الأماكن التي فشلت فيها الدولة بالفعل، أي المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، ولذلك فإن سبب إصابة منطقتنا بأمراض بغيضة مثل داعش ليست مشكلة دينية أساسا، بل هي أحد أعراض فشل الحكم، وعدم قدرته على بسط الأمن وإحلال السلام والاستقرار في أجزاء كثيرة جدا من هذه المنطقة.
لقد كان رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي المثال المثالي للمزارع السيئ، فبحلول العام 2010 كانت المعارك الكبرى ضد تنظيم القاعدة في العراق قد انتهت، وبقيت فلول التنظيم هنا وهناك، وكانت قوات الاحتلال تهم بمغادرة البلاد بعد أن تعهدت بإعادتها إلى مسار التنمية من خلال الثروة النفطية التي لا تستطيع دول كثيرة جدا في العالم حتى أن تحلم بها، لكن ما الذي حصل آنذاك؟ أقدم المالكي على شن حملات تطهير مسعورة ضد منافسيه، وأصدر أوامر اعتقال ضد شخصيات بارزة من القبائل الذين نجحوا في مقارعة القاعدة، وقام بتهميش منهجي لمناطق واسعة من البلاد فيما هو على رأس أحد أكثر أنظمة الحكم فسادا في التاريخ، وفيما كان العراق يتلمس طريق النور وإعادة الإعمار في العام 2010 عاد ليسقط مرة أخرى في براثن الإرهاب والتفجيرات وتحول إلى دولة فاشلة تتنازعها داعش من جهة والميليشيات الطائفية من جهة أخرى.
في كل مرة تنتشر فيها الأعشاب الضارة في حديقتي أعمل على اقتلاعها من جذورها، ولكنها ما تلبث أن تعاود النمو من جديد بسرعة وقوة أكبر، وبالمثل، يمكن قتل أو اعتقال عضو أو مجموعة من داعش في هذه المنطقة أو تكل من العراق أو سوريا أو ليبيا أو اليمن، ولكن هل سيحدث هذا أي فرق؟.
في كل بضع سنوات يتم الإعلان عن ماركة جديدة من رذاذ المبيدات للمزارعين لقتل الأعشاب الضارة والأمراض التي تدمر محاصيلهم، والمشكلة هي أن هذه المبيدات السحرية تقتل كل شيء ما عدى الأعشاب الضارة القوية، والتي تزداد مناعة وقوة وقدرة على نشر جراثيمها في كل مكان، وهذه المفارقة نفسها تحدث بالضبط في محاولات مكافحة الإرهاب، فيظهر كل جيل من الإرهابيين أكثر شراسة وأكثر وحشية من أسلافه، كما حصل بداية مع طالبان، مرورا بالقاعدة، وداعش الآن.
إذاً كيف نقضي على داعش ومخلفاته؟ الطريقة السليمة هي إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، ودعم نهوض الدول الفاشلة، وتشكيل حكومات عادلة، والتصدي لتحديات الفقر والظلم.
تتشكل داعش الآن من أشرار مجانيين مهوسيين بالقتل، ولكن كل فرد منهم كان ولو لمرة واحدة في شبابه أو حياته أمام اختيار طريق آخر يسلكه البشر الأسوياء، ومعظم الناس الذين يقرأون هذا المقال محظوظين بما فيه الكفاية لتمتعهم بتعليم جيد، وأسرة متماسكة وآفاق رحبة للحياة، ثم أن الشباب ببساطة ليسوا إرهابيين، والشر الذي يجعل أحد ممن يسمونهم “أشبال الخلافة” يقتل ويعذب البشر الآخرين يأتي إما من نشأته الصعبة الرهيبة، أو تحت تأثير أشرار شياطين كارهين للحياة يبثون سمومهم في كل ما يلمسونه.
سيكون هناك دائما أناس أشرار في هذا العالم، ولكن هزيمتهم مرتبطة دائما بوجود قادة أخيار يتقنون الزراعة في أرض طيبة، وبأن نعمل معا من أجل من أجل السلام والاستقرار على الصعيدين المحلي والإقليمي، ونمنع بذور التطرف السامة من العثور حتى بوصة مربعة من التربة، ونربي أطفالنا على حب الحياة والإنسانية، حتى نضمن عدم وجود أي مكان في ذواتهم يمكن للغة التطرف السامة التغلغل فيه.