شقة الآن.. وقصر في المستقبل

 

لا أكشف سراً عندما أقول أنني بدأت حياتي في العاصمة اللبنانية بيروت في شقة صغيرة، من غرفة وصالة فقط، كنت أسكنها مع زوجتي وطفلي. كانت سقفا مؤقتا أظلني، ومكانا دافئا لانطلاق أحلامي وتحقيق طموحاتي، وعندما تمر أمامي تلك الذكريات أشعر بالغبطة فعلا.

والآن، وبعد مرور كل تلك السنين، أدرك أنني كنت مصيباً عندما اقتنعت بإطلاق حياتي الأسرية من تلك الشقة الصغيرة، بما منحني استقرارا نفسيا وعائليا وأتاح لي مواصلة الجد والاجتهاد، وبمرور الوقت كبرت أعمالي، وتمكنت من الانتقال إلى شقة أكبر، ثم إلى بيت، وواصلت مسيرة عملي وخدمة عائلتي ومجتمعي التي لا زالت مستمرة حتى الآن.

أحب أن أشارك تجارب حياتي مع الشباب من حولي، ومن بينها هذه التجربة تحديدا، لنصل جميعا إلى نتيجة مفادها أن بدء الشاب لحياته الأسرية في شقة –وإن كانت صغيرة- ثم تكبر بمرور الوقت وتحسن الدخل، أفضل من هدر سنوات الشباب في انتظار بيت الأحلام الذي إن أتى يأتي متأخرا كثيرا.

إن قيادتنا في مملكة البحرين تبذل جهودا مخلصة في لتلبية حاجة المواطنين للسكن اللائق، والتزمت على مدى ما يقارب الأربعة عقود بإتاحة وتجويد الخدمات الاسكانية بشكل متواصل بهدف توفير سبل العيش الكريم للأسرة البحرينية وقد شهدنا مؤخرا تكثيفا في عمليات تجهيز وتسليم العديد من الوحدات الإسكانية الموزعة على مختلف مناطق البحرين .

ولقد تمكنت مملكة البحرين على مدار ما يقارب نصف قرن من تقديم الخدمات الإسكانية للمواطنين، وشهدت تقديم أكثر من 125 ألف خدمة إسكانية لمواطني المملكة حتى منتصف العقد الحالي، من بينها 17 ألف وحدة سكنية خلال السنوات الخمس الأخيرة فقط، ولنا أن نتصور ماذا يعني هذا الرقم في بلد صغر المساحة جغرافيا مثل البحرين.

لكن واقع الحال يشير إلى أن أعداد طالبي الخدمات الإسكانية في ازدياد مضطرد، وتضم قوائم الانتظار لدى وزارة الإسكان بين 40 إلى 50 ألف طلب، مضى على بعضها 20 أو 25 سنة دون التمكن من تلبيتها، ومن المؤلم هنا تذكر قصة المواطن الذي توفي العام الفائت أثناء إحدى مراجعاته لوزارة الإسكان بغية حصوله على وحدة سكنية في المشروع الإسكاني بالنبيه صالح، بعد أن كان تقدم بطلبه منذ العام 1994.

إن حلول أزمة الأسكان لا يجب أن يعتمد فقط على توفير وحدات إسكانية بمعدل يفوق الطلب عليها، وهذا شبه مستحيل، خاصة في ظل قلة الأراضي المتوفرة لمشاريع السكنية وانخفاض أسعار النفط، مقابل الزيادة السكانية وزيادة الطلب على الخدمات الإسكانية.

ولقد كتبت سابقا أن أحد حلول الأزمة الإسكانية يجب أن يعتمد علينا نحن كمواطنين، وتغيير مفهومنا للسكن وفقا لتطورات العصر والاكتظاظ البشري، وأقول صراحة إنه يجب علينا التخلي ما أمكن عن فكرة “إما أن أسكن في بيت أولا أسكن”، وفي منطقة “بارك لين” الشهيرة وسط لندن مثلا لا تجد بيوتا، إنما تجد الأرض هناك وقد جرى تقسيمها لمساحات بحدود 70 مترا، وقد أقيم على كل منها بناية بعدد غير محدد من الشقق الطابقية، وهنا أسأل: ألا يوجد أثرياء قادرون على شراء قطعة أرض كبيرة في هذه المنطقة وتحويلها إلى منزل أو قصر؟ بالطبع يوجد، لكن الحكومة تمنع ذلك، لأنه ربما يعتبر تعسفا في استخدام الحق بالملكية، واعتداء على آخرين يرغبون بالسكن.

وأجدد هنا دعوتي لتكون مساحة المقسم السكني أقل من 200 متر حتى، لماذا لا تكون 150 أو حتى 100 متر؟ خاصة وأن هندسة البناء الذكي تتيح توفير الإضاءة والتهوية وغيرها من الشروط المطلوبة في مساحات أقل من ذلك.

أيضا يجب أن يعي المطوِّرون العقاريون أهمية التوجه بمنتجاتهم الإسكانية إلى ذوي الدخل المحدود، ومساندة الجهود الحكومية في هذا المجال، بالمقابل يتوقع المطورون العقاريون أنهم سيحظون بتسهلات ودعم حكومي لقاء هذه المساهمة، خاصة وأن ملف الإسكان واحد من أهم الملفات، ويرتبط ارتباطا وثيقا بالاستقرار والتنمية.

أعود لأؤكد أنه لدينا حلولا كثيرة أفضل من الانتظار وأفضل من التذمر، ونحن بحاجة إلى أن ندرك جمعيا، حكومة وأفراد، التغييرات الكبيرة والمتسارعة على مفهوم السكن حول العالم، في لندن والقاهرة ودبي والرياض وغيرها، وأن نتقبل بصدر رحب تلك التغيرات ونتكيف معها وفق الظروف والإمكانيات المتوفرة لدينا في الوقت الراهن، وأن نعمل بمرور الوقت على تطوير أنفسنا، وبتكاتف الجميع ننبني البحرين، مملكتنا العزيزة.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s