إن أكبر مخاطرة ترتكبتها في حياتك هي خوفك من المخاطرة، وعدم إقدامك عليها.
هناك من يرفض ترك وظيفته والانتقال للعمل الحر والبدء بمشروعه الخاص لأنه يخشى على عائلته من انقطاع راتب الوظيفة، والعجز عن توفير نفقات الأسرة في حدها الأدنى، لكن المنطق السليم يقول إن تلك الخشية يجب أن تدفعه لترك الوظيفة وأخذ المخاطرة اليوم قبل الغد، لأن العائلة تكبر والمصاريف تزداد باطراد لا يوازي ازيداد الراتب، وبالتالي ربما يصبح ترك الأمور على ما هي عليه الآن أكثر سوءا.
لطالما آمنت أن الحياة بحر، والعمل صيد، والصياد الماهر لا يبحث عن رزقه في الجداول الصغيرة وبقرب الشاطئ، وإنما يبحر إلى أبعد ما يستطيع، إلى المكان الذي لا يصله إلا ذوي الهمم الكبيرة والرؤية الثاقبة والطموح الجامح، وأنه ليس هناك ربَّان ماهر تعلم الملاحة في البحيرات الصغيرة.
هل لدينا رؤية حول أين نريد أن نكون بعد عشر سنوات؟ إذا لم نمتلك تلك الرؤية سنجد أنفسنا بعد عشر سنوات ربما في المكان الذي نحن فيه الآن بالضبط، دون إحراز أي تقدم.
لعل هذه نصيحة أساسية موجهة لمن هم في السادسة عشرة من عمرهم وبدأوا برسم خطواتهم الأولى في عالم أواسع وشرعوا يفكرون في مستقبلهم المهني والشخصي، لكنها موجهة أيضا لكثير من الناس ممن لا زالوا في مرحلة الشباب نظريا، لكنهم شاخو قبل وقتهم نتيجة لركونهم إلى وظيفتهم المريحة وحياتهم العائلية الهادئة، واطمئنانهم إلى البقاء على هذه الحالة حتى سن التقاعد وما يأتي بعده.
لا يوجد خطأ فيما سبق في حد ذاته، لكننا نفوت على أنفسنا الكثير عندما نفشل في تحدي أنفسنا والمضي قدما في تحقيق أهداف جديدة.
أعتقد أن واحدا من أسرار الحياة الطويلة هو إبقاء النشاط العقلي متقدا، وفي كل مرة نفشل في شحذ عقولنا والإبقاء عليها متقدة، نكون قد خطونا خطوة أخرى نحو تحييد جزء من الخلايا الدماغية والأعصاب عن العمل، في بداية لطريق طويل بطيئ في مرحلة الهرم والانقياد.
في كثير من الأحيان تتحول الأزمات التي نواجهها على المدى الطويل إلى بداية من الفرص الجديدة، وعندما يتعثر مشروع تجاري نجد أنفسنا أمام تحدي البدء من جديد وتطوير أفكار ومهارات جديدة، إنها فكرة ربما تبعث على الارتياح في لحظة يبدوا فيها أن شيئا ما في حياتنا ينهار، وهذا بحد ذاته يمكن أن يكون حافزا نحو آفاق وتجارب جديدة كليا.
المآسي التي حلت بي وبأختاي في وقت مبكر من حياتنا كانت قاسية جدا لدرجة أنني لا أتمنى لأحد حتى مجرد تجربتها، ولكن وفي وقت لاحق من حياتي أدركت أن تلك المآسي هي التي دفعتني للنجاح، وتوفير الدعم لأولئك الذين أعيلهم، وأن أصبح الشخص الذي أنا عليه الآن، فيما كان من السهل أن أنغمس في رثاء الذات: لماذا يحدث هذا لي؟ لماذا الحياة غير عادلة على هذا النحو؟
في الواقع، تظهر معادن الأشخاص وشخصياتهم الحقيقية في المحن والأزمات، وأنا في الواقع أشفق على أصحاب النفوس الضعيفة التي لم توضع على المحك ولا تعرف شيئا عن الجوع والمشقة.
أنا لا أفكر فقط في تحدي أنفسنا مهنيا، فالشخص الذي يضع هدفا لذاته أن يملك بعد خمس سنوات مجرد سيارة أكثر تكلفة، وأن يضيف المزيد من المال لرصيده في البنك، هو شخص قد أغلق بالفعل عقله عن رسم أهداف شخصية أخرى أكبر وأسمى.
عندما يقرر فجأة شخص يبلغ الخمسين من العمر 50 أن يغير مهنته أو نمط حياته نميل عادة إلى الضحك عليه علنا أو سرا، ونصف تصرفه ذلك بأزمة منتصف العمر، لكن في الواقع إن إعادة صياغة أهدافنا وتوجهاتنا في هذه الحياة حتى في سن الستين أو السبعين هو أمر يجب أن يلقى الاستحسان والتشجيع.
تقول القصة إن ضفدعا شارك في سباق تسلق برج حديدي ضمن مجموعة من الحيوانات الأخرى الأقوى والأكثر قدرة، وكان أن وصل إلى قمة البرج رغم صيحات التهكم والازدراء والإحباط من جمهور المشجعين، ليكتشف الجميع بعدها أن هذا الضفدع أصم!.
قال الفيلسوف جان بول سارتر: “الإنسان ليس مجموع ما يملكه بالفعل، وإنما مجموع ما لم يملكه بعد، أو ما يمكن أن يملك وأن يكون”.
ولعل أسوأ ما يمكن أن يحدث لشخص هو أن تتحقق جميع أحلامه،فماذا سيفعل في بقية حياته؟ الناس الأكثر مأساوية هم أولئك الذين يفوزون في اليانصيب ثم يمضون ما تبقى من حياتهم في محاولة إسعاد أنفسهم دون جدوى.
لا أحد يمكنهه إبطاء الانتقال من سنة لأخرى، ونحن نتقدم بالسن لا شك يوما بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، ومع ذلك، هناك الكثير الذي يمكننا القيام به لمنع أنفسنا من الهرم، وإن وسائل الراحة التي تدفعنا للتراخي هي عدونا الذي يبطئ من حركتنا وحيويتنا، والحياة عبارة عن صراع، ونحن نرسم إنجازاتنا في مسار هذا الصراع، فيما الموت هو اللحظة التي يتوقف فيها نضالنا.
أعظم هدية من الله إلينا يمكن أن تكون العقبات والتحديات التي تظهر في طريقنا، والتي تتطلب منها الكفاح لأجل التغلب عليها وتحقيق الأهداف التي لم نصلها من قبل، وهذا ما يصقل مهاراتنا ومعارفنا ويشحذ هممنا ويجعلنا ما نحن عليه الآن، وهذا ما يميزنا كبشر عن الحيوانات التي تعيش فقط لتأكل وتتزاوج وتنام.