الانفتاح ليس شرا ولا بد منه

Mr. Akram Miknas

هناك مؤشرات كثيرة على أنه بعد عقود من التقدم نحو اقتصاد عالمي مفتوح، بدأ العالم بالتراجع خلفا نحو الحمائية والحواجز التجارية، وهذا سيكون كارثيا علينا جميعا.

واحدة من أخطر الأمور حول الحمائية هو أنه عندما يبدأ بلد واحد بانتهاجها، تأخذ عدواها بالانتقال إلى بلدان أخرى، فإذا فرضت الهند مثلا ضريبة 10٪ على السلع من الصين، فسترد الصين تلقائيا  بفرض ضريبة 20٪ على الواردات الهندية، وهكذا تنجر الدول نحو هذه الحرب التجارة التي تستعر وتزداد معها معاناة الجميع.

المشكلة أن القادة في كل بلد يريدون إثبات دعمهم للشركات المحلية، وكذلك أعضاء البرلمان الذين أغدقوا الوعود على ناخبيهم بالحد من البطالة وزيادة الأجور وتعزيز الاقتصاد،وذلك عبر حلهم السحري “الحمائية”.

الحد من الواردات الأجنبية نهج واضح يعتمده السياسيون، ومع ذلك، عندما ننظر إلى النهاية المنطقية لهذا النهج سنجده يضر بالجميع، ذلك أن فاتورة التصدير سترتفع على الشركات المحلية، كما أن إخضاع السلع المستوردة للضريبة سيرفع التكلفة للأسر، وبدل تحفيز الاقتصاد تسود حالة كساد اقتصادي.

هذا هو بالضبط ما حدث خلال عشرينيات وثلاثينات القرن الماضي، أو ما يعرف بالكساد العالمي الكبير، عندما بدأت جميع الاقتصادات العالمية الكبيرة بناء حواجز تجارية أسمك وأعلى بينها انتقاما من بعضها البعض، فانهارت مستويات التجارة الدولية وكانت النتيجة واحدة من أكبر الكوارث الاقتصادية في التاريخ.

في العقود التي تلت هذه الكارثة، سعت منظمات مثل منظمة التجارة العالمية لدفع الدول في جميع أنحاء العالم للقيام بكل ما يلزم لإزالة الحواجز أمام التجارة العالمية، وهذا ما عاد بالفائدة على الجميع في نفس الوقت.

وكانت النتيجة حلقة حميدة من النشاط والدوران التجاري حوال العالم، وانسابت السلع الأساسية مثل الغذاء والملابس ومواد البناء بين الدول، وأصبحت أكثر رخصا وأكثر جودة بسبب التنافسية العالية، وكل بلد أصبح ينتج ويصدر المنتجات الأكثر قدرة على المنافسة.

فمثلا؛ ألمانيا لديها ارتفاع في تكاليف الأيدي العاملة، وبالتالي لا يمكن أن تنتج سيارات بثمن رخيص كما تفعل اليابان، وكان بإمكان الحكومة الألمانية أن تفرض رسوما جمركية لجعل السيارات اليابانية أكثر تكلفة، أو أن توفر دعما ماليا لشركات صناعة السيارات الألمانية لتكون قادرة على المنافسة، وهذا من شأنه جعل شركات صناعة السيارات الألمانية سعيدة جدا، ولكن في كلتا الحالتين سيتضرر المستهلك الألماني لإنه سيدفع أكثر لقاء حصوله على سيارة يابانية، كما أن جزءا من الضرائب التي يدفعها ستذهب لدعم شركات السيارات الألمانية، وفي الوقت نفسه، ستكون اليابان قد ردت من خلال فرض الرسوم الجمركية على السلع الواردة من ألمانيا، وهذا ما يزيد من معاناة الألمان أيضا.

وقد تزداد المشكلة سوءا، لأن السيارات اليابانية تشتري مكوناتها وقطع غيارها من نحو 30 بلدا مختلفا، وسترتفع تكلفتها حتما لفرض رسوم جمركية عليها، ثم يصل المواطن العادي، الياباني أو الألماني أو أية مواطن في العالم إلى نتيجة مفادها أنه من الأفضل عدم شراء سيارة على الإطلاق لارتفاع سعرها، واستخدام وسائل النقل العام!.

بدلا من بدء حرب تجارية مع اليابان القادرة على انتاج سيارات رخيصة، اتخذ قادة ألمانيا نهجا أكثر عقلانية بالتركيز على تشجيع قطاعات الاقتصاد التي من الممكن أن تتمتع بميزة تنافسية، ربما الخدمات المالية وقطاع الضيافة، أو التركيز على صنع سيارات ذات جودة عالية الثمن.

والنتيجة هي أنه بات بإمكان المستهلكين الأوروبيين والآسيويين شراء أفضل المنتجات بأسعار تنافسية، كما بات بإمكان الشركات الأوروبية والآسيوية القيام بأعمال تجارية متبادلة دون وجود عقبات مكلفة ومعقدة في طريقها.

أسوأ شيء يمكن للحكومة القيام به هو ضخ مليارات الدولارات من المال العام في محاولة لحماية صناعات ومنتجات محلية قليلة أو عديمة الجدوى اقتصاديا، ودفع رواتب عمال لتقديمهم خدمات ومنتجات بتكلفة عالية وجودة رديئة. فيما ما يجب على الحكومة القيام به بدلا من ذلك هو الاستثمار في التدريب والبنية التحتية لتحفيز قطاعات جديدة واعدة أكثر، مثل الاستثمار بعيد النظر في تطوير قطاع السياحة في البحرين.

أنا أعلم أن الكثير من قراء صحيفة الأيام لديهم خلفيات اقتصادية وفهم عميق لهذه القضايا الاقتصادية المعقدة، وربما أفضل بكثير مني، فلماذا آخذ وقتهم في درس حول الحمائية؟

السبب هو أننا نرى السياسيين في أعلى المناصب بجميع أنحاء العالم إما لا يفهمون هذه الدروس الأساسية حول الحمائية، أو أنهم يتجاهلونها، ويعلمون على تقديم وعود بل وحلول سحرية للعمال والشركات حول أن الجميع سيعيشون في سعادة دائمة في ظل “الحمائية”.

أعزائي القراء، في وقت نحظى فيه بحكومة مستنيرة تشجع التجارة المفتوحة وتجعل الحياة سهلة بالنسبة للمستهلكين والشركات البحرينية، تتصاعد الحروب التجارية بعيدا والسياسات الحمائية تميل إلى التشدد.

ربما بات علينا ألا نعول أبدا على السياسيين المنتخبين في جميع أنحاء العالم في وضع السياسات الاقتصادية المتقدمة والتي لن تكون لها نتائج عكسية ويكون لها آثار عالمية الضارة، ربما يكون الحل عن طريق توعية جمهور الناخبين ليكون أكثر علما بهذه القضايا من السياسيين أنفسهم.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s