كان هناك شيء من الميل إلى عدم تقدير دونالد ترامب، لكن مع وصوله إلى السلطة اكتشفت أنه يمكن أن يكون مفيدا جدا في خدمة القضايا العربية، كيف ذلك؟! سأخبركم بما أعرفه.
في حوزتي نسخة حصرية لجلسة التخطيط الاستراتيجي الأخيرة لترامب وفريقه، حيث قال رجل الأعمال الكبير “يزعجني أن العالم العربي في مثل هذه الحالة من الانقسام والبؤس، خصوصا أن هذا الوضع المؤسف يرجع بشكل كبير إلى أخطاء أسلافي من الرؤساء الأمريكيين”، وسأل ترامب فريقه “ما الذي يمكننا القيام به لتوحيد العرب؟”.
حينها جرى استدعاء مستشار البيت الأبيض للشؤون العربية –والذي عُين بهذا المنصب لأنه ذهب مرة واحدة في عطلة إلى قبرص-، فقال هذا المستشار أمام الحضور: “سمعت أنه لا يوجد شيء يوحد الشعب العربي بقوة أكثر من قضية فلسطين”.
انبهر الحضور حول الطاولة بشدة لهذا الخبر، وفردوا أمامهم خارطة ليكتشفوا أن فلسطين تلك مجرد قطعة أرض صغيرة داخل دولة إسرائيل،فزادت حماستهم للقيام بهذه المهمة.
في هذه الأثناء كان مستشار الشؤون العربية لا زالت لديه العديد من الآراء ووجهات النظر لطرحها، فتابع قائلا “وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ذاتها، ليس هناك ما يحرك مشاعر الشعوب العربية بل والمسلمين في كل مكان أكثر من قضية القدس”.
شدت هذه النقطة انتباه المستشار الإعلامي لترمب، فقال للرئيس “لقد تحدثت مرة واحدة عن هذه المدينة في كلمة لك خلال حملتك الانتخابية، عندما وعدت بنقل أكبر وأهم سفارة أمريكية في الشرق الأوسط إلى القدس”. فرد ترمب “إذاً فليكن ذلك، سننقل سفارتنا في إسرائيل إلى القدس وسيكون العالم العربي والإسلامي متحدا مرة أخرى.”
حسنا، أنا أعترف أن بعض جوانب هذه القصة لم يحدث فعلا، ومع ذلك، فإنه يمكن أن نصل إلى نتيجة مفادها أنه علينا أن نكون ممتنين للسيد ترامب لهذا السبب على وجه الدقة، وهو أنه لم يكن هناك أي قضية على مدى السنوات العشر الماضية لديها إمكانيات لتوحيد العالم العربي والإسلامي أكبر من احتمال إقدام الإدارة الإمريكية على نقل سفارة واشنطن في اسرائيل من تل ابيب إلى القدس.
اسمحوا لي أن أذكركم بأهمية هذه المسألة، وهو أن طموحنا بإقامة دولة فلسطينية موحدة ومزدهرة يتوقف دائما على أساس أن تكون القدس عاصمة لها، وحتى التنازلات الكثيرة والمؤلمة التي جرت مناقشتها في جولات مختلفة من عملية السلام المنشودة في الشرق الأوسط أبقت على القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وذلك بما يعكس حقيقة الاعتراف العالمي بالتراث العربي والإسلامي لهذه المدينة ذات الغالبية العربية من السكان، على الأقل في قسمها الشرقي.
إن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يجعل ضمنيا جميع جهود السلام في الماضي غير ذات معنى، وينسف جميع الجهود الحالية والمستقبلية، لأنه وببساطة شديدة، القدس هي خط أحمر نهائي لكل الخطوط الحمراء.
إذا لم تكن هذه القضية توحد الأمة العربية بأسرها والعالم الإسلامي فأنا لا أعرف أي قضية يمكن أن تقوم بذلك، وبالتالي، لا يجب أن نتعامل مع إعلان ترامب كتهديد بقدر ما ننظر إليه كفرصة للعالم العربي بأسره للعمل معا والتحدث بصوت واحد: “هذا لا يمكن ولن يحدث”.
القضية الفلسطينية منذ وقت طويل كانت في حالة مزرية، ولا سيما منذ الانقسام الكارثي بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس، وغيرها من الانقسامات التي أضعفت الجسم السياسي الفلسطيني. وإذا كانت قضية القدس لا يمكن أن تجمع الشعب الفلسطيني وقادته معا جنبا إلى جنب، فلا شيء آخر يمكنه ذلك، وهذا يعني أن القضية الفلسطينية فُقدت إلى الأبد بالفعل.
العالم العربي أصبح يعيش انقسامات ميؤوس منها: السنة ضد الشيعة. الحركات الراديكالية ضد المعتدلة، الأقوياء ضد الضعفاء، لكن حتى الآن لا يوجد أحد يعيش على هذه الارض ويجري الدم العربي في عروقه ويتحدث العربية، إلا ويؤمن أن القدس والقضية الفلسطينية هي واحدة من القضايا الرئيسية التي تربى عليها منذ نعومة أظفاره.
حتى أني أذهب إلى القول إن القدس وفلسطين جزء لا يتجزأ من هويتنا العربية والإسلامية، وإذا فشلنا في الوقوف كرجل واحد في مواجهة قرار ترمب فهذا يعني أننا لم نعد نستحق أن نطلق على أنفسنا عرب.
هذا ما قصدت قوله عندما قلت إن دونالد ترامب أسدى لنا معروفا، عندما ذكَّرنا عن غير قصد منه بأن هناك قضية مركزية يجب أن نتحرك إزائها جميعا كعرب ومسلمين، أو نعترف مرة أخرى وأخيرة بأننا نستحق ما نعيشه اليوم من تقسم وإذلال.
لجعل الأمر أكثر وضوحا بالنسبة لنا، أعلن بنيامين نتنياهو أن حكومته رفعت القيود المفروضة على بناء مئات الوحدات الاستيطانية في القدس الشرقية، وهو خطوة ستؤدي حال تنفيذها إلى طمس ما تبقى من الهوية العربية في القدس الشرقية، وتغيير النسيج الاجتماعي لهذه المدينة العربية إلى الأبد.
من مزايا ترمب سهولة التنبؤ بتصرفاته ومواقفه، فلقد سمعنا وجهات نظره السطحية وكلماته غير المنتقاة خلال حملته الانتخابية وعبر تويتر، وبالتأكيد فإن عددا من اقتراحاته وأفكاره السيئة سيصطدم في مرحلة ما بجدار الواقع، وأكثر ما يخاف السياسي منه هو اضطراره لتغيير مواقفه، لكن بالنسبة لرجل أعمال مثل ترمب فإن تغيير الاتجاه يكون استجابة مرنة وطبيعية للظروف، لذلك نحن على ثقة بأن ترامب قد يغير موقفه من القدس عندما يرى موقفا عربيا إسلاميا قويا بشأن هذه المسألة.
لذلك أنا أؤكد أن لترمب دورا في توحيدنا إذا أردنا نحن ذلك، وقد رأينا كيف وحد ملايين المتظاهرين في شوارع مدن الولايات المتحدة وحول العالم للدفاع عن حقوق المرأة، وحماية المهاجرين ومكافحة التمييز والكراهية، وآمل أن نستلهم نحن العرب ذلك.
إذا استطاع العالم العربي التوحد إزاء هذه القضية، وأن تقف الأمة العربية جنبا إلى جنب مع الشعب الفلسطيني، فلن نضمن عدم الاعتداء على القدس فقط، وإنما ستكون خطوة هامة نحو وضعنا خلافاتنا التافهة على جنب، والتخلص من الانقسامات الغبية والمدمرة التي أضعفتنا وتقودنا نحو الهلاك.
دعونا نجعل هذا حجر الأساس الذي يقوم عليه تأكيد وحدتنا العربية.