بعيداً عن ترامب.. أين نحن؟

downloadفي يوم من الأيام كانت هناك أمة تعاني من انتكاسات مهينة في الخارج رغم امتلاكها جيشا كبيرا ضاربا، ويعاني مواطنوها من البطالة وانهيار الأسواق والتضخم الجامح رغم أن أمتهم صنعت معجزة اقتصادية، وكانت النتيجة أن قوَّضت هذه الأحداث المؤلمة الثقة في النخب السياسية وبالعملية الديمقراطية نفسها في تلك الدولة.

ووسط أجواء عدم وضوح الرؤية هذه، تحولت الأنظار إلى رجل شكَّل شخصية سياسية قوية متمردة وتمكَّن من جذب مؤيديه وحتى معارضيه عبر خطب حماسية رنانة أحدثت توترا داخل المؤسسة السياسية، ولَفتَ الانتباه إلى مسؤولية الأقليات عن الكثير من المشاكل في البلاد، وكيف أن الأجانب سرقوا الوظائف وتآمروا لجعل الدولة تجثو على ركبتيها.

وعلى الرغم من اللغة الجوفاء لهذ الرجل والتاريخ الشخصي المشكوك فيه، إلا أنه استطاع حشد المواطنين المحبطين والمحرومين خلفه عبر دغدغة مشاعرهم وأحلامهم وتقديم الوعود لهم بحلول جذرية لجعل أمتهم عظيمة مرة أخرى، لكنه كان في الوقت ذاته على استعداد لتفكيك النظام السياسي لبلاده، لدرجة أنه هدد بحبس معارضيه السياسيين، متهما إياهم بالضعف والفساد.

لكن كيف انتهت هذه القصة؟ لقد حصل هذا الرجل على أصوات كافية في انتخابات ديمقراطية أفضت إلى اعتلائه سدة الحكم في بلاده، فيما اعتقدت النخب السياسية حينها خطأَ أنها قادرة على السيطرة عليه وكبح جماحه في حال ارتكب أي تهديد حقيقي. لقد كان هذا الرجل أدولف هتلر، وحدث ذلك في ألمانيا في 1933، وما حدث بعد ذلك من فظاعات على مستوى العالم معروف للجميع.

هذه القصة تقودنا إلى سؤال جوهري ليس في ألمانيا وإنما في الولايات المتحدة الأمريكية هذه المرة، والسؤال هو: هل الأمريكيون الذين منحو  أصواتهم لترامب اقتنعوا به كرئيس فعلا أم أن هذا التصويت كان ضد واقعهم  غير الراضين عنه؟، في الحقيقة إن الإجابة على هذا السؤال لم تتضح بعد، وعلى أي حال يمكننا أن نتفهم خوف الناس من المناخ الاقتصادي السيئ، ورغبتهم في التغيير، ولكن ما الذي سيحدث إذا ذهب الناس خلف مرشح يعد بحلول ثورية لكنها تؤدي إلى عواقب كارثية وتولد مشاكل أكبر بكثير من المشاكل التي تسعى لحلها؟

لدينا في العالم العربي شكوكا عميقة وتجارب سابقة تجعلنا لا نستطيع أن نتفاءل بصدق أو نتشاءم بصدق إزاء شخص رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وليس في الماضي البعيد كان باراك أوباما في عام 2008 يلقي بوعوده حول توطيد علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها، وتقديم حل عادل للفلسطينيين، وانسحاب سلس من العراق، وجلب السلام للشرق الأوسط، وتقليص التدخل الأميركي، وغير ذلك من وعود رأينا بعد ثمانية سنوات على إطلاقها أن وضعنا أصبح أكثر سوءا.

لا أحد يعرف حتى الآن إلى أين سيقود “الرئيس الأمريكي دونالد ترامب” العالم، وهل سيقدم بالفعل على تنفيذ تهديداته بمنع المسلمين من دخول أمريكا، وطرد الملايين من المهاجرين، وإلغاء تعهدات ومعاهدات وصفقات تجارية، أو أن رئاسته ستعني تدخلا أمريكيا أكثر أو أقل في شؤوننا.

ولكن هذا الفوز يبدو وكأنه خطوة أخرى في طريق البعد أكثر عن العولمة والتعددية، ونحو الطائفية والانعزالية والتحزب القومي والخوف من كل ما هو مختلف أو أجنبي، خاصة وأن العديد من أنصار ترامب يريدون منه بالفعل أن يتصرف كامبراطور، وأن يستخدم صلاحيات تنفيذية لبناء الجدران حول أمريكيا، وإلزام الحلفاء الأجانب بدفع ثمن الدعم الأميركي، والدخول في الصفقات التجارية التي تفضل فقط الشركات الأميركية.

نحن نعرف من التجربة أن “السلطة المطلقة مفسدة مطلقة”، وهذا هو السبب في أن العديد من المعارضين قلقين للغاية عندما هدد ترامب بوضع منافسه هيلاري كلينتون في السجن، وعندما هدد حشد المؤيدين بإلغاء نتائج الانتخابات إذا لم يفز بها.

لقد قال رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل أن الديمقراطية هي أسوأ نظام سياسي ممكن تبنيه، باستثناء كل الأنظمة السياسية الأخرى!، وكان الفيلسوف اليوناني أفلاطون سبقه إلى قول إن “الديكتاتورية تنشأ بشكل طبيعي من الديمقراطية، وأسوأ أشكال الاستبداد والعبودية تنشأ من الحرية الأكثر تطرفا”.

لقد جرى تصميم النظام السياسي الأمريكي على وجه التحديد بطريقة تحمي سيادة القانون وتمنع الرئيس من القيام بدور الديكتاتور غير المقيد، لذا فإننا نأمل أن ترامب سيقاوم رغباته بالسطلة المطلقة، ويعمل ضمن قيود النظام الدولي وليس ضده، وبعد أن أهان وهدد العديد من قادة العالم خلال حملته الانتخابية سيحتاج ترامب إلى التواصل وبناء التحالفات اذا كان يريد أمريكا أن تظل القوة العالمية ذات الصلة.

نأمل أن يحكم ترامب أمريكا بحكمة وحسن التقدير. لأننا في العالم العربي غالبا ما كانت الضحية الأولى لفشل السياسة الخارجية الأمريكية، لذلك علينا أن نعمد إلى بناء مستقبلنا بأنفسنا بصرف النظر عن من يدير البيت الأبيض، خاصة وأننا منذ فترة طويلة جدا نهرع إلى أمريكا والغرب لإنقاذنا من أزماتنا، في وقت نتهم فيه أمريكا والغرب بالتسبب بتلك الأزمات.

لذلك، دعونا ننظر إلى هذه الانتخابات –بصرف النظر عن أفكارنا عن المنتصر فيها- كفصل جديد لتوازن القوى العالمي وفرصة جديدة بالنسبة لنا في العالم العربي لبناء مصيرنا بأيدينا، ونكون أندادا لمن يجلس في البيت الأبيض، وأن نملك الرؤية والإرادة الموحدة كأمة جديرة بمكانة متقدمة بين الأمم.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s