سجلت البحرين دائما مكانة متقدمة جدا في استطلاعات الرأي العالمية كوجهة صديقة للأسرة حيث يأتي الناس للعيش والعمل، وفي الواقع عادة ما تأتي البحرين في مقدمة دول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي في المعايير ذات الصلة، فيما صنَّفت دراسة أجريت مؤخرا من قبل HSBC البحرين باعتبارها ضمن أفضل 10 وجهات عالمية للعمالة الوافدة عندما يتعلق الأمر بالحرية والترحاب وإنشاء أسرة.
وبحسب دراسة HSBC فإن البحرين هي البلد الأكثر جاذبية في العالم للجنسيات الأخرى، وذلك بفضل توفر بيئة ملائمة للأعمال التجارية، وترحيب المجتمع والتعايش بين المواطنين والمقيمين، والسهولة النسبية التي تتوفر للعمالة الوافدة وأسرها والقدرة على الاستقرار وتكوين صداقات جديدة.
رغم ما سبق، لقد أصبت بخيبة أمل عندما اطلعت مؤخرا على استطلاع رأي يرصد أوضاع العمالة الوافدة حول العالم ووجدت أن تصنيف البحرين تراجع بشكل حاد على عدد من المؤشرات مقارنة بالسنوات السابقة، وذلك على الرغم من أن البحرين حلت في المرتبة الـ 19 عالميا، وجاءت في مقدمة دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية.
من أبرز المؤشرات التي تراجعت البحرين وفقها بشكل حاد هي “الحياة الأسرية” للوافدين (من المركز 19 إلى المركز 34)، وهذا يرجع جزئيا إلى رؤية المغتربين الذين شملتهم الدراسة إزاء جودة الحياة وكذلك قدرتهم على تحمل تكاليف التعليم، ولكن يرجع أيضا إلى نظرة العديد من المغتربين السلبية إزاء البحرين كوجهة صديقة للأسرة.
لماذا أنا محبط إلى هذا الحد؟ لأن مستقبل البحرين المزدهر يرتبط ارتباطا وثيقا بمستويات رضا أولئك الذين يزورون هذا البلد، فهل لا زال ينظر الى البحرين كوجهة مفضلة وآمنة للسياحة؟ هل يريد الناس الاستثمار في الاقتصاد البحريني؟ هل لا زالت البحرين واحدة من أكبر أماكن الجذب في العالم؟
إنني على يقين راسخ بأن البحرين لديها أعظم العوامل لتكون واحة صديقة للأجانب والمتغربين وأسرهم، فالبحرين لا تعاني من القيود الاجتماعية الضيقة السائدة لدى كثير من جيراننا، ولدينا مجتمع متسامح للغاية يرحب بالجميع، وتسود مستويات أمن وآمان عالية جدا، فيما الأسعار مقبولة، وهناك أماكن ترفيه جيدة للعائلات.
إزاء كل ذلك، لا يمكنني إخفاء صدمتي، بل وخوفي، عندما رأيت لوحة إعلانية كبرى وضعتها إحدى الجهات الدينية المحلية على بوابة إحدى قرى شارع البديع تطلب فيها من النساء، مواطنات ومقيمات وسائحات، الالتزام باللباس الشرعي، وذلك “تماشيا مع التوجهات الدينية للمجتمع”، كما تقول اللوحة.
لا اعتراض لدي على أي امرأة تلبس بهذه الطريقة إذا كان هذا هو خيارها الشخصي، ولكن إلى أي أمة سنتحول عندما يعمل “المجتمع” على فرض هذا اللباس على الجميع؟
إن التنوع والانفتاح هو شيمة البحرين عبر العصور، ليس في الأعراق والأديان والثقافات فقط، وإنما حتى في أصناف الطعام وفي الفنون والتقاليد الثقافية، هذا التنوع في حد ذاته هو جزء لا يتجزأ من الثقافة البحرينية، بالمقابل لم تتوقف محاولات الأصوليين الذي يجهدون للقضاء على هذا التنوع.
لذلك أنا أقول لهؤلاء الذين يريدون فرض توجه واحد على المجتمع، إن السير في الطريق الذي يريدون سيفضي إلى مقاومة بل وصدام بين أطياف مختلفة تحمل توجهات دينية وفكرية وثقافية مختلفة، كما أن من شأنه أن يشل صناعة السياحة في الوقت الذي يتم الترويج لقطاع السياحة كنقطة ارتكاز لتحقيق الازدهار، وأن يثير هواجس الشركات العالمية التي تفكر باتخاذ البحرين مقرا لها، وكوادرها من العمالة الوافدة ذات المؤهلات العالية، إضافة إلى الإساءة إلى الأحداث الدولية الكبرى التي تنظمها البحرين مثل الفورمولا 1 ومعرض الطيران، ويؤثر سلبا على سياحة المعارض والمؤتمرات وغير ذلك الكثير.
إذاً هناك ثمن واضح وجلي للتقوقع والانكفاء نحو الداخل، وينعكس ذلك بكل وضوح في ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض قيم ديناميكية القطاعين العام والخاص.
لذلك أنا أؤكد أهمية أخذ استطلاعات الرأي العالمية على محمل من الجد، والقيام بكل ما هو ممكن لتحسين تصنيفنا الدولي وتعزيز جاذبية البحرين.
وهذا أمر يجب أخذه بعين الاعتبار أيضا عندما نجد أن النواب يضغطون من أجل رفع مستوى المعيشة وزيادة الإيرادات العامة جنبا إلى جنب مع فرض رسوم جديدة، ورفع الدعم عن المقيمين، فمن حق المواطن أن يطالب بألا يتأثر بإجراءات التقشف الحكومية، ومع ذلك، لا يمكن تعويض النقص الحاد في ميزانية الدولة عن العمالة الوافدة فقط، لأنها ببساطة ستغادر البحرين مسببة ضررا كبيرا للحراك الاقتصادي، العقاري والاستهلاكي على وجه الخصوص.
في العالم اليوم نجد أن البلجيكيين فخورين بمزارع التوليب، واليونانيين فخورين بأوابدهم التاريخية، والمصريين فخورين بالأهرامات، ورغم وجود مزارع توليب وأوابد تاريخية وأهرامات في كثير من أصقاع الأرض، إلا أن هذه الدول عرفت كيف تبني علامة فارقة عبر الترويج، وأن تضع نفسها على خارطة السياحة العالمية وتجذب ملايين السياح سنويا.
آمل أن يأتي يوم نكون فيه جمعنا كبحرينيين فخورون بمملكتنا كـ “صديقة للأسرة” ونكافح من أجل الحفاظ على سمعتنا الطيبة في هذا الاتجاه، لأنني أعتقد أن هذا هو أحد أهم الأصول والمفاخر التي نملكها.