لقد فُطِرت على حب الناس، جيدين وغير جيدين. عندما يكونون جيدين أجدهم نظراء لي، وعندما ي
كونون غير ذلك تنتابني رغبة بل وأعمل على مساعدتهم ليكونوا أفضل، لذلك أُكنُّ في داخلي تقديرا واحتراما عظيما للمدافعين عن حقوق الإنسان، فما الذي يمكن أن يكون أكثر جدارة بالثناء والإشادة من أفراد ومنظمات يناضلون من أجل حقوق بني البشر؟!.
لكن للأسف، طالما استخدمت وتستخدم حقوق الإنسان كذريعة لتنفيذ مآرب خفية وزعزعة الاستقرار، فكما يجري مثلا حرف الانترنت ومواقع الإعلام الاجتماعي عن استخداماتها المثلى وعرقلة أهدافها النبيلة من خلال استغلالها لنشر الفتن والشرور، يتم حرف حقوق الإنسان عن مسارها إما بسبب النوايا الساذجة وإما بسب الجهل وأما بهدف التضليل.
وتصل هذه السذاجة في بعض الأحيان إلى كيانات تنبري للدفاع عن هذه منظمات غير حكومية لحقوق الإنسان، فيما لا يجب أن يركز العاملون في حقوق الإنسان جل اهتمامهم على الدفاع عن كيان مصمت يقر فقط بطائفة معينة أو دين أو عرق أو طبقة، ولا يعترف إلا بمن يشاطره هذا التقوقع وينبذ المختلفين عنه.
إن القبول بالتنوع والتعايش هو حق من حقوق الإنسان يضمنه دستور البحرين لعام 2001 بشكل واضح وصريح، ومن خلال التغاضي عن هذه المنظمات غير المتسامحة نحن نفسح الطريق أمام مشكلة لبقية أطياف المجتمع.
ولا يختلف اليمين المعادي للأجانب والأحزاب السياسية العنصرية التي تحقق الآن مكاسب في جميع أنحاء أوروبا عن الجمعيات السياسية الطائفية التي تولد الانقسامات الاجتماعية وتقوض عيشنا المشترك وهويتنا القومية الجامعة وحتى وجودنا، كما أنه على المنظمات غير الحكومية الدولية ألا تضغط لدعم المنظمات التي تضع على أجندتها “معاداة الإنسانية”، لا سيما أن المتعصبين يهددون بقية المجتمع، سواء أكانوا يهو أو مسيحيين أو حتى غيرهم من المسلمين.
يمكننا أن نقول إن داعش في رفضها لحقوق أي شخص آخر مختلف عنها قد خسرت نفسها، وبالمثل، فإن أولئك الذين يحاولون تقسيم الدول أو المجتمعات على أساس اللون أو العرق أو الدين قد تخلوا ومنذ فترة طويلة عن حقهم في الحديث للعالم عن حقوق الإنسان.
خلال الأسابيع الماضية شهدنا إقدام عدد من المنظمات غير الحكومية في مجلس حقوق الإنسان على استغلال بعض الأحداث لمهاجمة البحرين مرة أخرى، وتجاهل أو تعامى أعضاء تلك المنظمات عن رؤية الصواب، وكأنه يحاول إعادتنا إلى المربع الأول، إلى الدوار، إلى دوامة أحداث عام 2011، إلى أيام عصيبة خسرت فيها البحرين ولم يربح أحد، رغم أن معظمنا نريد أن ننسى ذلك.
والسبب الرئيسي الذي يجعل من البحرين هدفا سهلا عندما يتعلق الأمر بتوجيه الانتقادات بشأن حقوق الإنسان هو الفشل الذريع لدى جانب مهم من المجتمع الدولي في فهم الواقع السياسي في هذه المملكة، فهل تسمية ملكية دستورية برلمانية شرعية يدعمها قطاع من الشعب لنقل هو فقط أكبر من نسبة المصوتين لرئيس أمريكي أو حزب بريطاني بأنها “دكتاتورية” هو كسل من الصحافة التي لا تكلف نفسها عناء البحث والفهم أم أنه محاولة متعمدة لتشويه الحقيقة؟
إنني أذهب إلى القول إن حل منظمة طائفية دأبت على لعب دور هدام والتحريض على العنف وإذكاء التوتر والصراع والإقصاء هو في صميم تطبيق حقوق الإنسان، وليس انتهاكا لهذه الحقوق، وضمان عدم طغيان الدين على السياسة وإفساد حالة التنوع والتآلف السائدة في البحرين منذ مئات السنين، لكن هل مدعي حقوق الإنسان يدركون ذلك فعلا؟ أم أنهم لا يفكرون لما هو أبعد من أنوفهم؟
عندما يكون لدينا ناشطين يريدون جر بلدنا لمثل ما فعل تنظيم الدولة وحزب الله في سوريا والعراق، فعن أي نوع من حقوق الإنسان يتكلمون داخل شعاراتهم الجذابة؟ فيما القصد من ذلك مختلف تماما وهو تقسيم المجتمع على أساس الدين، وكيف يمكن لنا أن نصدقهم ونحن نرى بعض القوى الإقليمية والعالمية تتماهى مع هذه الحركات الطائفية بهدف إضعاف دولنا؟
من الممكن دائما أن نختلف مع التدابير التي اتخذتها دول معينة، ومع ذلك، عندما نقوم بتحليل واضح لسياسات أمن البحرين على مدى السنوات القليلة الماضية نرى أن السلامة العامة هي الأولوية المطلقة، ومن الإنصاف أن نقول إن أمن المدنيين هو خط أحمر، وأن قيادتنا لن تسمح بتجاوزه من قبل كيانات تسعى لجلب الميليشيات والأسلحة إلى شواطئنا.
أنا أؤيد تماما حرية المعتقدات وحرية التعبير وحرية التنقل؛ ولكن هل يجب أن أؤيد فرض حظر على رجل دين سني أو شيعي يحرض على العنف؟، وأن أؤيد منع الصحف من نشر المواد التي تثير توترات أهلية؟ وإسقاط الجنسية عن شخص دعم الإرهاب؟، وحظر سفر مؤقت على أولئك الذين يحاولون تدمير سمعة البحرين وعزل اقتصادنا؟، نعم هذا واجب علي، واجب واجب واجب.
أتمنى أن نتوقف عن الشعور بأننا بحاجة دائما للدافع عن سجل البحرين في مجال حقوق الإنسان، فلدينا بالفعل منجزات عظيمة في هذا المجال سجلناها عندما كانت الدول الأخرى تعاني من عدم الاستقرار والخلافات السياسية، ويمكننا التأكيد بأن البحرين حققت التوازن الصحيح بين حماية شعبها من جهة، والاحترام الكامل لحقوقه وحرياته من جهة أخرى.
بالنظر إلى الدوافع السياسية الواضحة للكثير ممن يهاجمنا، يجب علينا في الواقع مواجهة تصعيدهم بالازدراء الكامل، فهذا التصعيد دليل دامغ على نجاحنا في تحييد أجنداتهم السامة.