يأتي خطاب سمو ولي العهد في المنتدى الحكومي2016 مؤخرا في لحظة حاسمة لتقييم الوضع الراهن للاقتصاد البحريني من جهة، ورسم خارطة طريق للمضي قدما على طريق تعزيز الازدهار.
وبالأرقام نجد أنه رغم التحديات الجمَّة التي عاشتها البحرين في السنوات الأخيرة بدءا بالأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2008، والتحديات الأمنية، وتهاوي أسعار النفط إلى مستويات قياسية، فإنه من اللافت رؤية مدى التقدم الاقتصادي الذي أحرزته المملكة خلال السنوات ذاتها: نمو اقتصادي بنسبة 28٪ منذ العام 2008، وزيادة بثلاثة أضعاف في الصادرات غير النفطية، وارتفاع مساهمة القطاعات غير النفطية إلى أكثر من 80% في الناتج المحلي الإجمالي، والنمو الملحوظ في القطاع الخاص، مع ارتفاع في مستويات المعيشة، وكلها عوامل أسهمت في نمو بنسبة 48٪ في متوسط دخل الأسرة البحرينية خلال الفترة ذاتها.
جانب كبير من هذا التقدم يؤكد ريادة البحرين في استشرافها منذ وقت مبكر ووفقا لرؤية 2030 أهمية النهوض بالقطاعات غير النفطية، إضافة إلى الجهود التي يبذلها مجلس التنمية الاقتصادية، وجدَّية سمو ولي العهد والقيادة الرشيدة بعدم السماح بحرف التنمية الاقتصادية عن مسارها مهما اشتدت التحديات.
وقد مثَّلت نجاحات جهود البحرين في تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط، والانحياز للقطاع الخاص وتحفيزه، أنموذجا يحتذى نراه الآن وقد تبلور في المملكة العربية السعودية ودول أخرى تعمل على وضع اقتصادياتها على أسس سليمة صحيحة بعيدا عما يسمى بالاقتصاد الريعي.
رغم ذلك، يبقى الهدف الرئيسي من خطاب سمو ولي العهد هو إعادة تحديد المسار المستقبلي للاقتصاد والتنمية في البحرين والتكيف مع التحديات والمستجدات واستشراف أفق النمو اعتمادا على المرتكزات الأساسية لرؤية البحرين 2030 التي تقوم على الاستدامة والتنافسية والعدالة.
العديد من الأهداف التي تضمنتها الرؤية حقق نتائج إنجاز متقدمة جدا، ومن ذلك تدريب وتهيئة المواطن البحريني ليكون الخيار الأمثل للتوظيف في إطار الجهود التي تبذلها “تمكين” ووزارة العمل وغيرها من الجهات، وإنشاء مشاريع إسكانية بينها 5 مدن إسكانية تقام الآن في مناطق مختلف من البحرين ضمن الهدف الطموح لتوفير 40 ألف وحدة إسكانية، ومبادرات الحكومة الإلكترونية التي حازت على المركز الأول عربيا، وتطوير البيئية التشريعية الناظمة لعمل القطاع الخاص، وتعزيز الأداء الحكومي، وإقرار برنامج عمل حكومي متقدم حظي بمباركة شعبية عبر مجلس النواب، وتعزيز تنافسية الكثير من القطاعات مثل قطاع الاتصالات، وغيره ذلك من الأهداف.
ومع ذلك، أرى أن العديد من العناصر الأكثر أهمية في خطاب سمو ولي العهد هي تلك المعنية بتعزيز سرعة سير البحرين نحو مستقبل أكثر أمنا ونموا وازدهارا، وعلى رأسها إعادة صياغة عمل القطاع الحكومي ليكتفي بدور المنسق والموجه، فيما يتولى القطاع الخاص قيادة دفة التنمية.
في العديد من دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية يميل القطاع العام المتضخم إلى مزاحمة القطاع الخاص الهش، وتقديم وظائف مريحة ومتساهلة، والسيطرة على المجالات الرئيسية للاقتصاد مثل الطاقة والخدمات، والخدمات المصرفية، والسياحة، والصحة.
وبالتالي يمكننا أن نرى النقلة النوعية بعيدة المدى في جوهر رؤية سمو ولي العهد: بدلا من القطاع العام غير الكفؤ الذي يهيمن على القطاع الخاص، سنتحرك نحو جعل القطاع العام أقل تضخما وأكثر رشاقة، وبما يمكِّن من توسيع القطاع الخاص الحيوي الذي يصبح مولدا أساسيا لفرص العمل وخلق الثروة في البحرين.
وبالتالي فإن هذه الشراكة الفاعلة بين القطاعين العام والخاص ستساعد مباشرة على دعم القطاعات المأمول تنميتها بسرعة في البحرين، على سبيل المثال في مجال السياحة تساعد على جعل البحرين الوجهة المفضلة، وتسهيل إجراءات الدخول، والترويج للمواقع السياحية في البحرين في جميع أنحاء العالم وجلب ملايين الدنانير كإيرادات إضافية كل عام للموظفين وأسرهم وللبحرين.
كما أود أن أشيد على وجه خاص بتركيز سمو ولي العهد في خطابه على الابتكار والمنافسة، وذلك من أجل الحفاظ على مكانة البحرين كمركز إقليمي متقدم في الخدمات ذات القيمة العالية والمنتجات المتطورة.
لقد أثبتنا لأنفسنا وللعالم مرارا وتكرارا بأننا رواد في مجال التنافسية والكفاءة، خاصة مع انخفاض التكاليف الثابتة وتوفر كوادر بشرية أكثر إنتاجية، لذلك علينا المحافظة على هذه المزايا الطبيعية وتنميتها.
رغم كل ما سبق، اعتقد أن الكثير منا يدرك أن التحول من مركزية القطاع العام نحو الاعتماد على القطاع الخاص لتحقيق الازدهار في المستقبل ليس هدفا سهلا على الإطلاق.
ويتطلب ذلك قبل كل شيء جعل القطاع الخاص الوجهة الأكثر جاذبية لألمع وأفضل خريجينا، وزيادة التحفيز داخل هذا القطاع والاحتفاء بروح المبادرة والجهود الدؤوبة لتحقيق النجاح في مجتمعنا، وبالمثل، علينا وضع حد لكون القطاع العام مكانا للمتقاعسين الراغبين بتمرير الوقت في انتظار الراتب الشهري والتقاعدي، حيث يستند التعيين والترقية في هذا القطاع على العلاقات وليس الكفاءة.
هنا في البحرين، لدينا ميل مؤسف للتقليل من الانجازات التي تحققت بالفعل، وهو ما يمكن أن يعكس في بعض الأحيان تشاؤما لا مبرر له.
في المقابل، يحدد خطاب سمو ولي العهد خريطة طريق واضحة للاستفادة من هذا السجل القوي من النجاح للحفاظ على مكانة البحرين في طليعة الابتكار والتقدم في المنطقة، هذه هي الرؤية التي لديها القدرة على تحويل العديد من جوانب حياتنا للأفضل، ما يحتم علينا جميعا أن نحشد كل طاقاتنا خلفها.