عقلية الفشل

Mr. Akram Miknasكثيرا ما تنتابني مشاعر الإحباط عندما أكلف موظفا بمهمة مختلفة قليلا عما اعتاد القيام به، فيهز أكتافه في حيرة قائلا: “ليس لدي استعداد فطري للقيام بهذه المهمة، لكنني سأحاول”. بهذا الرد أفهم أنه يقدم عذره مسبقا عن إنجاز المهمة كما ينبغي، وأنه متردد ولن يقبِل على هذا العمل بشغف.

أستطيع أن أتذكر تماما مدرس لغة أجنبية كان ينظر إلى واجباتي المنزلية بإحباط ويقول: “من الواضح أنك لا تملك ميلا فطريا لتعلم اللغة”، وكنا كأطفال نأخذ مثل هذه الأمور على محمل الجد ولا نعترض عليها، لكن بعد سنوات وجدت نفسي أتساءل: لماذا لم يكن لدي ثقة بالنفس في تعلم اللغات؟ وأدركت أنه من الممكن أنني لا زلت أسمع أصوات هؤلاء المعلمين في الجزء الخلفي من ذهني تحدد لي ما لا يمكنني القيام به.

عندما نفشل في شيء ما -لعبة الكريكيت على سبيل المثال- نسعى إلى إيجاد تفسير نحمي من خلاله احترامنا الهش لذاتنا، فنقول إن فشلنا ليس لأننا عديمي الفائدة في كل شيء، بل ببساطة لأن لعبة الكريكيت ليست لعبتنا، لذا في المرة القادمة التي نجد فيها أنفسنا مضطرين للعب الكريكيت نخبر الجميع مقدما بأننا غير مؤهلين لهذه اللعبة، وهكذا تأتي النتائج سيئة كما توقعنا بالضبط، وتجرنا محاولتنا حماية ثقتنا بأنفسنا إلى الفشل، فنحن نبرر الفشل قبل أن يقع، ونفشل.

ولكن هل صحيح أن هناك أشياء نجيدها بالفطرة وأخرى لا؟ أرفض ان اصدق هذا.

لدينا الكثير من العباقرة الذين لم يولدوا كذلك، موزارت مثلا أصبح عظيما بعد أن تدرب لآلاف الساعات وبذل جهودا مضنية لإتقان مهارة العزف مشفوعة بالدافع والعاطفة والشغف لتعلم هذه المهارة.

أنا لست الشخص الوحيد الذي يشير إلى وجود صلة بين ما نعتقد أنه “عبقري” وبين مرض التوحد، إن “عبقرية” رسام تصبح كذلك لأنها أغلفت كل شيء آخر من حياته، وركزت كل الاهتمام والوقت لإتقان مهارة واحدة.

لم أكن قد تجاوزت الثانية عشرة من عمري عندما توفيت والدتي ووجدت نفسي فجأة مسؤولا عن نفسي وأخواتي، هذه المسؤولية الكبيرة اضطرتني للبحث بكل جوارحي عن طرق لكسب المال، تقدمت لمتاجر محلية طالبا إتاحة الفرصة لي لأعمل في توصيل بضائعها للزبائن –وقد عملت ذلك بالفعل-، كما جربت في حياتي الجامعية عشرات الطرق لجمع المال، بما في ذلك أمور مثل بيع الموسوعات وحتى المراحيض !

إذا كنت أصبحت اليوم رجل أعمال بالفطرة وبت قادرا على استكشاف فرص الأعمال بنفس الطريقة التي يستكشف فها الآخرين المناظر الخلابة، فإن ذلك يرجع إلى آلاف الساعات التي قضيتها في وقت مبكر من حياتي أجرب طرقا مختلفة في اقتناص فرص عمل.

وعلى الرغم من أنه كان لدي في بداية حياتي العملية قائمتي الخاصة بالأمور التي لم أكن أعتقد أنني اتقنها بالفطرة، كان عليَّ عندما بدأت بتأسيس شركتي للدعاية والإعلان لي أن أكون جاهزا لأداء كل أنواع المهام من تجهيز شريط فيديو صغير وحتى تنظيم الأحداث الكبرى.

لقد فقدت رفاهية أن أكون قادرا على القول “أنا لا أملك المقدرة بالفطرة على القيام بهذا”، فقد كان علي أن أصبح قنَّاصا لجميع الصفقات.

إن الرغبة الجامحة والإيمان بالمقدرة على اكتساب مهارة معينة هو الذي يقود لإتقان تلك المهارة، أنا لا أتكلم الصينية وليس لدي الآن رغبة في تعلمها، ولكن ليس لدي أي شك في أنه لو أتيحت لي الفرصة والدافع والوقت الكافي فإنني سأتمكن من اتقان هذه اللغة الصعبة، فمثلا لو اضطررت إلى الهجرة للصين والبدء بالأعمال التجارية هناك فأستقن الصينية حتما.

هذا ليس تباهي بقدرات خاصة، وأعتقد أن أي شخص بإمكانه أن ينجح في أي شيء إذا ركز عليه بحق وتمكن من موائمة وتحفيز نفسه لتحقيق النجاح.

ومع ذلك، تبقى أكبر عقبة نواجهها هي إصغائنا للصوت الصغير في الجزء الخلفي من رؤوسنا يقول لنا: لا تضيع وقتك في تعلم العزف على الكمان، لأنك تعرف مسبقا أنك ستحرج نفسك فقط. لا تدرس الفلسفة لأنك تعرف أن فيها أمورا يستعصي عليك فهمها.

توقع الفشل يضعنا في حلقة مفرغة، فأنت تنال ما تعتقد أنك تستحق، وعندما نقول لأنفسنا أننا لن تنجح فإننا لن ننجح، أو ربما سنعدل عن المحاولة أساسا.

لا يمكننا أن نأمل أن نكون رائعين في كل شيء، إذا كنت أريد أن أصبح عازف كمان رائع، علي أن أرغم نفسي على التدريب والممارسة لساعات وساعات، وهكذا لن يتسن لي الوقت الكافي لتطوير مهارات أخرى. فلأصبح رجل أعمال ناجح توجب علي أن أقدم الكثير من التضحيات الشخصية، وإذا كان بإمكاني أن أعيش حياتي من جديد لكنت خصصت وقتا أطول لكثير من الأمور التي مرت علي لكن لم أعشها كما يجب.

إن الخطوة الأولى نحو تحقيق نجاح أكبر في حياتنا واكتساب مهارات جديدة غير متوقعة هي كبح جماح صوت الإحباط في رؤوسنا، واستبدال عبارة “لا أستطيع” بـعبارة “إذا وجهت عاطفتي وأعملت شغفي سأستطيع حتما”.

يمكن لأي إنسان أن يكون موزارت أو غيره من العظماء الذين بذلوا جهودا مكثفة في التفكير والتأمل والبحث وتطوير الذات، وملكوا الدافع والصبر، وليس مقدرة فطرية.

علينا أيضا أن نستبدل اعتقادنا بأننا نولد رياضيين أو مثقفين أو عظماء بالفطرة باعتقادنا أننا قادرون على اكتساب الخبرات وتحقيق الإنجازات في أي شيء أو عمل.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s