في أعقاب الهجوم الإرهابي في مدينة نيس جنوبي فرنسا الذي سقط فيه أكثر من 80 ضحية، سخر كثير من الفرنسيين وعبر مواقع الاتصال الاجتماعي من ادعاءات تحميل داعش؛ ممثلة بمنفذ الهجوم المدعو محمد لحويج بوهلال؛ المسؤولية، فكيف يمكن لجماعة إرهابية مقرها في مدينة الرقة أقصى شمالي سوريا أن تسهم في هجوم إرهابي غير مسبوق عبر قيادة شاحنة ودهس حشود الناس؟
في هذا السياق غرَّد بعض الفرنسيين عبر تويتر بتهكم ذاكرين إنهم يحملون داعش ايضا مسؤولية هزيمة فرنسا في بطولة أمم أوربا لكرة القدم يورو 2016، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وظهور دونالد ترامب جنبا إلى جنب مع معاناة أحد المغردين مع عدم عثوره على جواربه صباحا أو الروائح المزعجة الصادرة عن مطبخ جاره!.
الشرطة الفرنسية خلصت أخيرا إلى أن بوهلال ليس له أي علاقة سابقة معروفة بالإرهاب وأي اتصالات مباشرة مع داعش.
شخصيا أعتقد أن واحدة من أفضل الطرق لكسر شوكة المتطرفين هي مواجهتهم بالسخرية والفكاهة، لذلك تروق لي رؤية الفرنسيين يعيشون حياتهم كما هي ويضحكون على داعش، بدلا من الانكفاء والخوف والذعر.
ولكن من الخطورة بمكان استسهال تحميل داعش مسؤولية أي حادث إرهابي، لأننا نعيش في زمن يمكن فيه لجماعة إرهابية أن تدعي المسؤولية عن كل شيء ولا شيء في الوقت عينه.
استغلت شخصيات بارزة في هذه المجموعة الإرهابية شهر رمضان وحثَّت مؤيديها على قتل غير المسلمين بأي طريقة استطاعوا: بالأسلحة أو المفخخات أو السكاكين أو السيارات أو أي شيء يتوفر تحت أيديهم، لكن هل هذا يعطي رخصة لأحد المختلين عقليا ليعتدي على سيدة مسنة في شوارع مدريد ثم يدعي أن “تنظيم الدولة الإسلامية” طلب منه فعل ذلك، وهل يمكن اعتبار هذا الحادث عملية إرهابية؟
واسأل نفسي هنا: كيف يتم تحضير الأجهزة الأمنية في العالم والتي من المفترض أن تحمينا من مثل هؤلاء الناس المجانيين الذين يقررون فجأة الخروج واطلاق النار على جيرانهم أو مهاجمتهم بسكين؟
والمشكلة هي أن هؤلاء الناس؛ الذين فقدو اهتمامهم بالحياة بشكل كامل؛ يعتقدون أنهم يمكنهم جذب انتباه العالم بأسره لـ 48 ساعة من خلال ارتكاب مثل هذه الأفعال المدوية والمدمرة، إلا إذا كانت هناك طريقة لضمان عدم الدعاية لمثل هذه الأعمال الوحشية، عندها سنرى أنها ستتلاشى لأن مرتكبيها لم يعودوا نجوما.
في منتصف يوليو الفائت قتل مواطن ألماني من أصل إيراني بالرصاص تسعة أشخاص في ميونيخ، وكان وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون واحدا من بين عدد من الناس الذين هرعوا إلى إدانة هذا الحادث “الإرهابي” في وسائل الإعلام، مشددا على ضرورة اتخاذ اجراءات صارمة ضد تنظيم الدولة ومعالجة “المرض العالمي” للإرهاب.
لكن تبين فيما بعد أن القاتل البالغ من العمر 18 مختل عقليا، وأن فعلته جاءت بعد تراكم سنوات من البلطجة، وهكذا كان على الإعلام الغربي التكيف مع هذه الظاهرة الجديدة لإرهابيين مسلمين لكنهم لا يتبعون داعش.
المفارقة هي أن تنظيم داعش يستطيع وقف نشاطاته تماما أو أن يبقى متخفيا في جحوره بالرقة فيما لا يزال الناس مضطربين في جميع أنحاء العالم إزاء فظائعه ووسائل الإعلام والسياسيين يلقون بمسؤولية كل شيء عليه، ربما حتى حوادث إطلاق النار في الولايات المتحدة.
أصبح داعش مثل بعبع يمكن أن يكون مسؤولا عن عدد من الحوادث غير المبررة، أو يمكن أن يكون مجرد نتاج خيال الجميع.
علينا أن نعترف أيضا أن منظمات مثل القاعدة وداعش هي صناعة وسائل الإعلام في المقام الأول، فهي بدأت كحفنة من الأفراد قبل أن تستفيد من الدعاية الضخمة لتصبح ظاهرة عالمية، وجذب الآلاف من المخبولين الضالين الذين اختلطت عليهم قضاياهم الأساسية.
في رأيي لا يوجد فرق كبير بين تلميذ تعرض لسنوات من الإذلال من قبل أقرانه فقتلهم في لحظة غضب ببندقية والده، والإرهابي الإسلامي الذي يفجر نفسه في سوق في بغداد.
كل منهما استاء من حياته وحمَّل مسؤولية فشله للناس من حوله وألقى باللائمة عليهم، فلجأ إلى الانتحار بطريقة مدوية يقتل فيها ما استطاع من الناس في عمل مدروس لجذب انتباه العالم.
نستطيع أن نقول ألف مرة أن الدين لا علاقة له بمثل هذه الأفعال الدنيئة، ولكن لا يمكن تجاهل أن بعضا من هؤلاء الأفراد يعتقدون أنهم يتصرفون بشكل كامل على أسس دينية، وحقيقة أنهم على خطأ لا يغير في الأمر شيئا.
القاسم المشترك الذي يوحد جميع هؤلاء الأشخاص اليائسين والمتطرفين هو كراهية الإنسانية وانعدام الإيمان بجدوى الحياة، فأي شخص مرتبط بعائلته ومجتمعه ويعتقد أن القادم أجمل لا يمكن أن يتخذ هذا المسار المدمر.
سواء في أمريكا أو أوروبا أو دول مجلس التعاون الخليجي، علينا أن نعمل بجدية أكبر من أجل الحفاظ على شبابنا على المسار الصحيح وتهيئتهم لحياة افضل وتحفيز الخير في داخلهم واحترامهم للبشرية جمعاء بغض النظر عن العقيدة أو القبيلة أو العرق.
يجب علينا أيضا إعدادهم للتعامل مع الفشل، وأن نخبرهم أننا جميعا فشلنا في مرات ومرات، وكنا في كل مرة ننهض عاقدين العزم على العمل بجد إضافي لتجاوز العقبات، وأن نكون متأكدين أن فشلهم المتوقع لن يتحول إلى إحساس بالذل والكراهية المتراكمة في داخلهم، ويتطور إلى رغبة بالانتقام من الناس الذين يحملونهم مسؤولية هذا الفشل.
دعونا نعمل من أجل اليوم الذي تُقابل فيه الدعاية والتحريض على الكراهية بالتجاهل التام من قبل العالم.