اسمحوا لي أن أكون الصوت الوحيد ربما الذي يعتقد أن إغلاق جمعية الوفاق الإسلامية ليس موجها ضد الوفاق في حد ذاتها، بل إنه خطوة يمكن أن ينظر إليها في سياق تحركات أوسع لفصل الدين عن السياسة، وهي تحركات بدأت في أماكن كثيرة حول العالم قبل أن تشرع فيها مملكة البحرين.
منذ العام 2013 بدأنا نشهد في جميع أنحاء المنطقة تدابير جرى اتخاذها ضد جماعة الإخوان المسلمين والجماعات التي تدور في فلكها من حركات إسلامية سياسية تسعى لتحقيق أهداف عابرة للحدود ودأبت على استخدام المنبر الديني لتحقيق مكاسب سياسية، وكانت كل من مصر والإمارات حازمتين على وجه الخصوص في حظر الحركة وتضييق الخناق على أعضائها البارزين.
في تونس، استشعرت ذلك حركة النهضة التي مثلت تاريخيا التيار الإسلامي، وتنازلت طوعا أو كرها عن مكاسبها السياسية الواسعة في السلطة، وارتدت عباءة العلمانية.
تبلور هذا التوجه في البحرين أيضا إبان الانتخابات البرلمانية والبلدية في العام 2014 عندما منيت الجماعات الإسلامية بهزيمة شبه كاملة في تلك الانتخابات.
وفي الآونة الأخيرة كان هناك اتفاق واسع النطاق في المجتمع البحريني والمؤسسة السياسية، بما في ذلك البرلمان بغرفتيه: النواب والشورى، لصالح إقرار قانون يمنع رجال الدين من المشاركة في الحياة السياسية.
كيف يمكن لنا في هذه الظروف أن نسمح ببقاء جانب من الحياة السياسية في مجتمعنا تحت سطوة رجال الدين خاصة ذوي الأجندات الطائفية منهم والذين ما برحوا يتحدون قانون الجمعيات السياسية وروح الميثاق والدستور؟ وعلاوة على ذلك، ما هي الفائدة من تجمع سياسي أمضى حتى الآن قرابة خمس سنوات مقاطعا للعملية السياسية؟
شخصيا، سأبقى على الدوام داعما لكل التدابير الرامية إلى النأي بالدين عن السياسة، وضمان خلو الخطب التي نستمع إليها من المنبر الديني من الاجندات السياسية.
عندما ناقش البرلمان هذه المسألة، العديد من النواب أثاروا مسألة تعريف “رجال الدين” متسائلين منذ متى ظهر هذا “المنصب” في الإسلام؟ إن الإيمان الذي نتبه لا يضع وسطاء بيننا وبين خالقنا، ويمكن لأي كان، مهندس أو مدرس أو صياد أو نجار أن يؤم الناس في الصلاة.
ألن نكون أفضل حالا من دون التجمعات الدينية-السياسية؟ إن وجود كيانات تحمل الصفتين معا: السياسة والدين ويقوم عليها رجال دين يعملون في السياسة يتناقض مع الجهود الرامية لفصل الدين عن السياسة.
وفقا لتحالف تكتيكي مع الجمعيات الإسلامية السنية تمكنت الوفاق في فترة من الفترات من السيطرة على البرلمان وفرض رؤيتها الدينية الأيديولوجية ومنع التشريعات التقدمية، وشنت حربا شعواء ضد صدور الشق الجعفري من قانون الأسرة مثلا، ورفض الوفاق لهذا القانون حتى الآن يمكنها من الحفاظ على النظام التقليدي الذي يعطي رجال الدين المحليين بشكل تعسفي الحكم في قضايا الطلاق والنفقة وما إلى هنالك، وهو ما دفع بالعديد من النساء الشيعة إلى اللجوء للمحاكم السنية لتحقيق العدالة.
لذلك، وتأسيساً على الموقف الموحد لكل من الشعب البحريني ممثلا في مجلس النواب، ومجلس الشورى، والحكومة، في رفض أي دور لرجال الدين في السياسة، جاء حل جمعية الوفاق الإسلامية كنهاية منطقية وحتمية لحركة طائفية خلطت الدين بالسياسة.
إن أحد أهم جوانب نجاح الانتخابات النيابية في 2014 هو وصول العديد من الشخصيات الشيعية والمستقلة المعتدلة إلى مقاعد البرلمان بعيدا عن هيمنة جمعية الوفاق الإسلامية، وهو ما شكل خطوة واسعة على طريق استكمال بناء المجتمع المدني في البحرين الموجه بكليته لخدمة القضايا الوطنية والخالي من النشاط السياسي ذي الانتماءات الطائفية.
هناك أيضا حاجة إلى العمل مع الشباب لتثقيفهم في الكيفية التي يمكن أن يكونوا مؤثرين في الحراك السياسي في البحرين وتحسين حياتهم دون إلقاء زجاجات حارقة وتخريب الممتلكات. هذه هي لحظة جعل النظام السياسي في البحرين ممثلا وشاملا للجميع بقدر الإمكان من أجل تحقيق مصالحة حقيقية.
يمكن أن ينظر إلى غلق جمعية الوفاق الإسلامية وحظر مشاركة رجال الدين في السياسة على أنه نهاية فصل شابته الاضطرابات والتحريض الطائفي والتشدد السياسي.
وهذا يضعنا على طريق الشروع في فصل جديد وشيق من السياسة الوطنية الأكثر شمولية، والتي يحظى فيها الجميع بفرص متساوية من المشاركة في الحياة العامة والعمل بلا كلل من أجل جلب المزيد من الازدهار للبحرين.