لطالما انتهى الأمر بأولئك الذين يعلمون على استغلال الدين لتحقيق مآرب سياسية إلى إشعالهم حرائق كبرى تلتهمهم نيرانها في نهاية الم
طاف.
أشير هنا إلى وثائق أمريكية رفعت عنها السرية حديثا تكشف عن مفاوضات أميركية سرية مع آية الله الخميني عندما كان لا يزال في باريس وقبل وصوله إلى السلطة بعد ما سماه الثورة الإسلامية عام 1979، وتظهر الوثائق أن إدارة الرئيس كارتر قد تخلت عن شاه إيران ورأت أن أفضل السبل للحفاظ على النفوذ الأمريكي هو تمهيد الطريق لعودة الخميني وإقناع الجيش بذلك بغية تحقيق الانتقال السلس.
آية الله الخميني قال في ذلك الوقت للأمريكيين ما يريدون سماعه بالضبط من ناحية تقديمه للوعود بحماية المصالح الأمريكية، واستمرار بيع النفط للغرب، وحماية اليهود في إيران، وكما نعرف جميعا استمر هذا التحالف التكتيكي على وجه التحديد حتى لحظة تثبيت الخميني في السلطة، وعندها أصبحت الولايات المتحدة “الشيطان الأكبر”.
علينا أن نتساءل ما إذا كان الرئيس أوباما قد درس نفس هذه الوثائق وما هي الاستنتاجات التي خرج بها وجعلته يتماشى مع وعود إيران بشأن الاتفاق النووي، وكيف لنا أن نتوقع أن القيادة الدينية في إيران ستحافظ على كلمتها؟
لقد شهد النصف الأول من القرن الماضي زمن التقدم السريع والنهضة الثقافية في العالم العربي، وأصبحت مدننا تفاخر معظم المدن الحديثة في العالم، كان وقتا رائعا للأدب العربي. وأصبح العالم العربي قوة سياسية لا يستهان بها، لكن مع نهاية حرب الأيام الستة عام 1967 بدأ تخاذلنا، وبعد الثورة في إيران عام 1979 بدا الأمر وكأننا نسير إلى الوراء.
خلال تلك الفترة، كان لبنان يشهد اندلاع موجات من الصراع الطائفي المرير، وبدأت الحركات الإسلامية السياسية تكتسب نفوذا في مصر. توفي جمال عبد الناصر واغتيل الملك فيصل من قبل قريبه المتطرف، وفيما كانت قوى القومية العربية في كل مكان تستجمع أنفساها كان الخميني يعلن عزمه تصدير الثورة الإسلامية، وهو أمر ربما يكون استلهمه جهيمان العتيبي الحفيد الروحي لأسامة بن لادن عندما استعصى في المسجد الحرام بمكة المكرمة وكان لهذا الأمر عواقب دموية.
شخصيا ليس لدي أي خلاف مع اليهود كجنس بشري، واعتقد أنه يتوجب علينا أن نعجب بإنجازاتهم، وأستطيع أن أفهم لماذا وصلوا إلى مواقع متقدمة في الأنظمة السياسة والاقتصادية والاجتماعية في دول كثيرة في العالم من بينها الولايات المتحدة، لكن تأثير اللوبي الصهيوني في جعل أمريكا قصيرة النظر في سياستها الخارجية، فمنحت الأولوية لمصالح دولة إسرائيل قبل بقية البشر.
لقد استخدمت كل من إسرائيل وأمريكا الإسلام السياسي كسلاح ضد الحركات القومية العربية واليسارية التي كانت حازمة في مواجهة اسرائيل وشكلت التهديد الأكبر لها في ذلك الوقت، واستخدم الإسلام أيضا من أجل تسليح وإرسال المجاهدين للقتال ضد السوفييت في أفغانستان، وجرى دعم –أو غض النظر على الأقل- عن الحركات الإسلامية الناشئة مثل الجهاد الإسلامي وحماس باعتبارها وسيلة مريحة لتقسيم وتحييد الحركة الوطنية الفلسطينية.
إن عدم الاستقرار والحرب الأهلية في أفغانستان خلال السبعينات والثمانينات لم تكن تدعو للقلق حتى تحولت إلى الجهاد الديني، ثم انتقل شرره من هناك إلى أماكن متفرقة في العالم.
لقد كان هذا سُمَّاً مغلفا بـ “الإسلام السياسي” اعتقدت أمريكا وإسرائيل أنهما قادرتين على حقنه في أماكن مختلفة من العالم العربي والتحكم بآثاره وعوارضه وإبقائه تحت السيطرة، فقد رأوا آية الله الخميني رجلا من بقايا من القرن التاسع عشر ويمكن التلاعب به، فكانت الثورة الإسلامية في إيران التي حملت معها الاضطرابات إلى المنطقة، وعادت بالويلات من فقر وتخلف على الشعب الإيراني نفسه، وطال إرهابها مواطنين أمريكيين في لبنان والعراق وأماكن مختلفة من العالم، كما أصبحت الحركة الإسلامية الفلسطينية تهديدا أكبر لأمن إسرائيل من منظمة التحرير الفلسطينية العلمانية.
ثم انجرت الولايات المتحدة خلف رغبتها بالانتقام لأسوأ الفظائع الإرهابية على الأراضي الأميركية في أيلول 2001، وذهبت بجحافلها العسكرية إلى أفغانستان حيث لم تنجح حتى الآن، وجاءت إلى العراق واقتلعت نظام صدام حسين الذي كان يقتل معارضيه من أي طائفة كانوا، ولكن أفعالها هيأت الساحة لظهور حركات إسلامية أكثر تشددا تنظر إلى ابن لادن على أنه اباها الروحي.
بعد كل ذك جاء أوباما ووقع صفقة الاتفاق النووي مع النظام الإيراني وأطلق له العنان لتوسيع دعمه للإرهاب والتمرد في دول المنطقة: اليمن، لبنان، العراق، سوريا، البحرين وغيرها.
كل ذلك يؤكد أنه ينبغي أن يكون أعظم درس تعلمناه من السنوات الـ 40 الماضية أن الثورات الدينية دائما ما تلتهم المحرضين عليها ومن يقفون خلفها، وعلاوة على ذلك، وبمجرد أن تعمل على إخراج مارد التطرف والطائفية من القمقم فإنه يصبح خارج دائرة السيطرة، ويصبح أكثر قوة وأكثر شرا.
ولقد تضررت البحرين إلى حد كبير من قبل أولئك الذين يسعون إلى تأجيج المظالم السياسية من خلال المنبر الديني، ويعملون على دفع الشباب إلى الاعتقاد أن إلقاء قنابل حارقة على الشرطة يخدم قضيتهم، وجرى تغليف هذه الأجندة الطائفية بقشرة من الشرعية التي ينادون بها في الغرب، فكانت كلمات الديمقراطية تتردد من قبل أولئك الذين لديهم في الحقيقة أجندة معادية تماما للديمقراطية.
ولا بد هنا من أشيد بالقانون الذي أصدره جلالة الملك ويحظر على رجال الدين المشاركة في الحياة السياسية وبما يمنع من استغلال الدين لأغراض سياسية في البحرين، ولقد تحدث ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة بحكمة في مناسبات كثيرة من خطر رجال الدين المتطرفين على مجتمعنا والمنطقة والعالم.
وهذا يعزز من إدراكنا أن الفصل بين الدين والسياسة لا يعني إضعاف الدين، بل إتاحة المجال ليكون الدين خالصا منزها عن لعبة السياسة القذرة.
ونحن مطمئنون إلى صحوة القيادة البحرينية وقدرتها على إحباط كل محاولات النيل من أمننا واستقرارنا وتعزيز التضامن الخليجي والعربي، وتقدم الازدهار والرخاء بالنسبة لنا جميعا.