أعتقد أنه يجب أن نتوقف ملياً عن تصريح صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة
مؤخرا حول أن تدشين نظام السجلات التجارية الجديد “سجلات” هو مشروع “يأتي ضمن حزمة من المبادرات لتطوير القطاع الاقتصادي والتجاري هي الأكبر منذ 40 عاماً”.
لقد بدأت في البحرين قبل نحو أربعين عاما نهضة اقتصادية غير مسبوقة تمثلت في تحولها إلى مركز مالي عالمي رائد تتخذه أكبر البنوك والمؤسسات المالية العالمية مقرا رئيسيا أو إقليميا بهدف الانطلاق منه نحو الأسواق الإقليمية والعالمية، وسواء أحدث ذلك بشكل مخطط أو عفوي، إلا أن البحرين تمكنت حينها من إيجاد منظومة متكاملة شملت بيئة تحتية وتقنية لخدمة المؤسسات المالية، وتشريعات متطورة جدا، ومؤسسات تعليمية وتدريبية متخصصة في البنوك أسهمت في توفير أجيال من الكفاءات البحرينية المصرفية لا زالت تتوالى حتى الآن.
بعد ذلك بسنوات، وتحديدا في العام 1986، كسرت البحرين طوق البحر حول عنقها وامتد شريان حياة يربطها بشقيقتها الأكبر، المملكة العربية السعودية، فتعزز اتصال البحرين في العالم، ولم تعد تلك الجزيرة التي تعتمد على بضعة مراكب بدائية تجوب بين فرضة المنامة ومدينة الخُبر ذهابا وإيابا، بل أصحبت السيارات الحديثة تجوب شوارعها، والبضائع من شتى الأصناف تنتشر في منافذ البيع، وتدفق السياح بكثافة أكبر، وتطورت البنية التحتية كثيرا، فكان أن حدثت نهضة البحرين الثانية.
ولقد كنا نترقب بشغف نهضة البحرين الثالثة من خلال المشروع العملاق “حلبة البحرين الدولية”، وما كان متوقعا أن يجذب للبحرين من عوائد ليس من سباقات السيارات والسواح فقط، وإنما لما كان مخطط له من إحياء كامل منطقة الصخير الصحراوية، وإقامة مدينة معارض عملاقة إلى جوار الحلبة، ومدن ملاهي، ومنتزهات ومولات تجارية وكل أوجه الحياة العصرية.
لكن هذا الحلم الطموح لم يكتمل مع الأسف لأسباب عديدة من بينها التنافسية -وهو ما أريد التركيز عليه-، ولا أقول إننا توقفنا أو تراجعنا، ولكننا حقيقة لم نسر بالسرعة التي سار بها أشقائنا في دول الخليج، وبعض دول المنطقة، والتي أدركت أن دورة الحياة الاقتصادية تشبه إلى حد كبير ركوب الدراجة الهوائية، فما إن تتوقف عن تدوير عجلاتها يختل توازنك وتقع.
لقد حدد سمو ولي العهد بشكل واضح عناصر مقومات الهوية التجارية في البحرين وهي: السرعة والكفاءة والشفافية والانفتاح، وتحدث سموه عن التوجه نحو اقتصاد مستدام المخرجات أمر يعتمد بشكل جوهري على الدور الحيوي للقطاع الخاص وتنوع أدواته وذلك باعتباره شريكاً فاعلاً للتنمية والازدهار، مع التحفيز والدعم لكافة أشكال الأنشطة في القطاع الخاص ليتواصل تطور دوره الحيوي كمحرك رئيسي تتبلور عبره الفرص النوعية لانطلاقة الأنشطة وتوفير الوظائف ذات القيمة المضافة، وأن تحتضن البيئة الاقتصادية قيم عدالة الفرص واعتماد التنافسية كمحفز للإبداع والابتكار في خلق الفرص وتنوع أفقها.
إن هذا التوجه يواكب ما أعتقده بشأن أن التحديات الاقتصادية المتأتية عن تدني أسعار النفط تجعل اتخاذ القرارات الجريئة أمرا لا مفر منه، فلا وقت للتجربة والتقييم وإعادة التجربة والتقييم وتشكيل اللجان والتريث لتهيئة الجو العام وترقب النتائج، بل إنه وقت الإقدام وتحمل المسؤولية والمضي قدما في طرق غير مألوفة والابتكارات غير المجربة.
كثيرا ما نقول، وكثيرا ما نسمع، أن البحرين تتفرد بامتلاك امتيازات كبيرة تؤهلها لتكون “سنغافورة الخليج العربي”، من بينها موقعها الجغرافي المتميز وقربها من السوق السعودي الهائل وخاصة المنطقة الشرقية التي يسكنها قرابة خمسة ملايين إنسان، إضافة إلى الكوادر البشرية المؤهلة، والبنية التحتية المتطورة، والتشريعات المتطورة، والانفتاح الاجتماعي والثقافي الكبير منذ الأزل، لكن هل نحن فعلا نستثمر تلك الامتيازات كما يجب؟
نحن ننظر بغبطة إلى التطورات الكبيرة والمتسارعة الحاصلة في مدن دول الخليج العربي الشقيقة، ونرى السعادة في وجوه أشقائنا الخليجيين فيما هم يرون مدنهم تزدهر واقتصادهم ينمو ومداخيلهم ترتفع وحياتهم تزداد رفاهية، وسبق وأن كتبت في مقال سابق عن أملي بأن أر ى المملكة العربية السعودية في ظل رؤية 2030 وقد تحولت إلى قطب اقتصادي سياسي عملاق في المنطقة، فالخير عند جيراننا هو خير علينا أيضا، وهذا يجب أن يحفزنا أكثر لتسريع وتيرة الأداء في شتى المجالات وتحقيق النهضة الرابعة في البحرين.