كثيراً ما يصيبني الإحباط من رؤية أناسٍ يقولون إنهم مخلصون في عبادة الله خالق كل شيء، لكنهم في الوقت نفسه يرفضون بل ويحاربون خلقاً آخرين لمجرد أنهم مختلفين عنهم.
لقد أنعم الله علينا بعالم غني حيوي يضم ثقافات ولغات ومعتقدات لأمم كثيرة، ولكن البعض أصيب بشذوذ فكري ثقافي عقلي جعله يعتقد أن هذا التنوع ما هو إلا خطأ يجب تصحيحه ليصبح العالم كله لوناً واحداً.
في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها توجد الآن مئات الجماعات المنغلقة على نفسها في مناطق نائية تؤمن أن 99.9% من البشرية ستزول يوماً ما، ولن يتبق سوى هذه الجماعة الصغيرة وحدها للاستمتاع حصرياً بثمار الجنة!
إن تلك الاعتقادات توازي تماماً اعتقادات عناصر الجماعات الإسلامية التكفيرية الذين يعتبرون أنهم المؤمنون حقاً فيما سيذهب باقي العالم –بما فيه الغالبية العظمى من المسلمين- إلى الجحيم، كما أن هناك الكثير من عناصر الجماعات اليهودية المتشددة المتطرفة وغيرهم من أتباع ديانات أخرى يفكرون بنفس الطريقة: يجب إما إدخال البشرية جمعاء في طقوسنا وممارساتنا وطريقة تفكيرينا، أو فلتتم إبادتها.
يبدو أن الإنسان بطبعه ميال لرفض الآخر وليس قبوله، فهو مفطور على التقوقع داخل جماعته، وربما أمضت البشرية بضعة ملايين من سنين التطور البشري وهي تعتقد أن القبيلة التي تعيش على الجانب الآخر من التل ليست بشراً، بل مجرد كائنات تتحرك، وتتحدث لغة ناشزة، وبالتالي يجب عدم الاختلاط بها أو التفاعل معها بأي طريقة.
إن الترجمة الحرفية لنص إعلان الاستقلال الأمريكي الشهير عام 1776 تقول: “نحن نرى أنه من الحقائق البديهية أن الرجال خُلقوا متساوين..”، وهنا يمكن ملاحظة أن كلمة “الرجال” في نص الإعلان لم تشمل الرجال الزنوج، كما أنه لا يبدوا أن من كَتب الإعلان قد أسقط النساء منه سهواً أو عن طريق الخطأ، وواضح أن هذا الإعلان رغم أهميته التاريخية إلا أنه تضمن رفضاً للآخر، بشكل أو بآخر.
وبالمثل، في العام 2011 عندما كان كثير من المصريين وغيرهم من ثوار “الربيع العربي” في الشوارع يهتفون “الشعب يريد إسقاط النظام”، كان المعنى الضمني لذلك الهتاف أن من لا يريد إسقاط النظام ليس من الشعب، وليس جديرا بأن يكون له رأي، ويجب إسقاطه أيضا.
كذلك نلمس أن كثيراً من الناس المطالبين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمعاملة عادلة لللاجئين السوريين قد تتغير مواقفهم تماما عندما يرون شاحنة محملة بالمهاجرين اليائسين والمحرومين قد وصلت فجأة إلى البيت المجاور لهم!.
كل ذلك يشير إلى أننا كبشر لسنا مفطورين على ثقافة التسامح وتقبل الآراء والمعتقدات والثقافات الأخرى، وإنما يتوجب علينا بذل الجهود من أجل اكتساب ذلك بالتعليم والممارسة.
وهنا يمكن للدين أن يكون جزءاً من الحل لا جزءاً من المشكلة، وبدلاً من النظرة الدونية لغيرنا ممن لا يحمل معتقداتنا، علينا أن نتعلم أن ننظر إلى التنوع البشري كعنصر أساسي وجميل من خلق الله تعالى. والإسلام نفسه وعبر كثير من آيات القرآن الكريم يعلمنا احترام الاختلافات التي نراها في الآخرين، فالله تعالى خلقنا من ذكر وأنثى وجلعنا شعوبا وقبائل، وأمرنا ألا يسخر قوم من قوم، وأخبرنا أن اختلاف ألسنة وألوان البشر آية من آياته تعالى، ولو شاء الله تعالى أن يخلقنا جمعيا متطابقين في الشكل والمضمون والتفكير لكان له ذلك.
اعتقد بشكل أساسي أن تسرعنا في الحكم على الآخرين ناتج عن فشلنا في النظر إلى عيوبنا، وهناك أشياء في هذا العالم يأمرننا ديننا باتخاذ موقف ضدها، من بينها الظلم والفساد والفقر، ولكن لا أوامر بشأن قيامنا بشن حرب للقضاء على التنوع.
نحن نحتفي بأنفسنا كخير أمة أخرجت للناس من خلال احتفائنا بالتنوع البشري، ونحن نستحق هذا فقط من خلال تحلينا بالتسامح مع أولئك الذين يختلفون عنا، وتقبلهم، واحتضانهم، والانفتاح على الأمم الأخرى، وتقديم الدعم للمحتاجين ورفع الظلم عنهم وعدم التمييز ضدهم.