يتطلب مني عملي كرجل أعمال إبقاء عيوني مفتوحة دائما على الفرص الاستثمارية من حولي، ومع أن المملكة العربية السعودية ظلت على مدى أكثر من أربعة عقود فائتة السوق الأكبر لعوائد مجموعة بروموسيفن القابضة التي أترأس مجلس إدارتها، إلا أنني واثق الآن أكثر من أي وقت مضى أن هذا السوق مرشح للنمو أضعاف ما هو عليه الآن، رغم التحديات التي فرضها تهاوي أسعار النفط.
فقد استمعت بشغف إلى رؤية المملكة العربية السعودية 2030 التي تحدث عنها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، والتي تمثل أهداف المملكة في التنمية والاقتصاد لـ15 سنة مقبلة، وأرى أن الأمر الأكثر أهمية في هذه الرؤية أنها جاءت بمعزل عن انخفاض أو ارتفاع سعر النفط، وأنها لا تحتاج إلى تمويل، لا بل إن الأمير الشاب ذهب للقول إن السعودية تستطيع العيش في 2020 من دون نفط.
لقد أصاب الأمير محمد بن سلمان عين الحقيقة عندما تحدث عن خطورة “إدمان النفط” التي أصابتنا، حتى بات هذا الزيت الأسود هو الترياق الذي يجري في عروق حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأي نقص فيه يصيبنا بقلة الحيلة وانعدام التوازن بل والهستيريا، وهذا ما يجعلنا لا نأمن على مستقبل أطفالنا مع نضوب هذه الثروة الطبيعية غدا أو بعد عشر أو خمسين عاما.
كما أن الشفافية التي تحدث عنها الأمير محمد بن سلمان أكثر من مرة في لقائه، والتي ستمس أمورا لطالما أحيطت بكتمان شديد مثل ميزانية عملاقة النفط “أرامكو” وصفقات السلاح، ستساهم أيضا بشكل كبير جدا في الحد من الهدر وجذب رجال الأعمال الدوليين الراغبين في اطلاق استثماراتهم في بيئة تنافسية صحيحة.
لقد كان عرَّاب رؤية السعودية 2030 ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان صريحا للغاية عندما كشف عن استغرابه من وجود رخام في مبانٍ بالقواعد العسكرية السعودية، وعن عدم رضاه عن الآلية التي تبرم بها المملكة صفقات السلاح، وعن رفع الدعم عن الأغنياء، بما فيهم الوزراء والأمراء، ومن يرفض منهم ذلك “سيجد نفسه في مواجهة الشارع” كما قال الأمير.
لطالما كانت المملكة العربية السعودية سند الأمة العربية والإسلامية، ومدت يد العون لأشقائها في مصر ولبنان واندونيسيا والفلبين وغيرها من أصقاع الأرض، دون أن تحاول فرض أي نوع من الهيمنة السياسية أو العقيدة على تلك الدول كما تفعل عادة الدول المانحة.
لقد اتسمت المملكة العربية السعودية بالكرم اللامحدود في منح المساعدات للدول والأفراد، لكنها ازدادت إدراكا أنه لا يمكن إطفاء النزاعات بطمرها تحت رزم الأموال، لذلك عززت من نهضتها السياسية فتحولت الرياض إلى قبلة السياسيين والدبلوماسيين من أصقاع العالم، كما حرَّكت المملكة جيوشها عندما استشعرت الخطر الحوثي على حدودها الجنوبية بعد الانقلاب على الشرعية في اليمن، وأدركت أن أمنها القومي لا ينحصر فقط ضمن حدودها الجغرافية.
وها هي المملكة العربية السعودية تعزز تواصلها مع العالم، فتتفق مع شقيقتها مصر على إنشاء جسر يشكل أول رابط بري برين آسيا وإفريقيا، وربما يكون أهم معبر بري في العالم، كما تضمنت رؤية السعودية 2030 تنشيط الموانئ التجارية، ومد الطرق البرية.
وكان أن اكتفت المملكة خلال العقود السابقة باستخراج النفط وبيعه وجني أموال وفيرة كانت أكثر من كافية لتلبية متطلبات الإنفاق الحكومي وجلب الرفاهية للسعوديين وحتى لغيرهم، وحققت المملكة نجاحات على صعيد إقامة صناعات ضخمة خاصة في مجال البتروكيماويات، وشهدنا مشاريع عملاقة مثل توسعة الحرم المكي وقطار الرياض وغيرها.
لكن العالم يتغير بسرعة، ونظريات الاقتصاد تتشابك وتتعقد، وسلع تنخفض قيمتها وأخرى تعلو، لذلك كان لا بد من هذه الرؤية التي تنقل السعودية إلى مصاف الدول المتقدمة باقتصاد يعتمد في جزء منه على النفط، لكنه يعتمد في أجزاء أخرى على التجارة والصناعة والخدمات، وهذا ما يضمن له ديمومة النمو.
نحن متفائلون بهذه الرؤية، ومطمئنون إلى أنها ستحقق أهدافها المنشودة، ونؤكد أنه يجب العمل على تحصينها سياسيا واجتماعيا وفكريا وثقافيا وحتى عسكريا، والاستعداد للدفاع عنها أمام كل من لا يريد للمملكة العربية السعودية أن تصبح قطب المنطقة الأول.
إن نهوض العملاق السعودي سيعود بالخير على المنطقة كلها، حتى على إمارة دبي نفسها، وكذلك على قطر والكويت وغيرها، أما بالنسبة لنا في البحرين فالمثل الشائع يقول “إذا جارك بخير انت بخير”، فكيف إذا كان جارنا هو شقيقنا الأكبر وحليفنا ومتكأنا الذي طالما انبرى لانتشالنا من أزمات اقتصادية وسياسية كادت تعصف بنا.