لطالما أعجبت بشخص وزير العدل معالي الشيخ خالد بن علي آل خليفة كواحد من القيادات البارزة في البحرين، وازداد تقديري له مؤخرا عندما وقف بصبر أمام النواب وأخبرهم ببلاغته المعهودة وحججه المقنعة لماذا يجب عليهم إلا يصوتوا ضد تشريع حيوي يعزز حقوق المرأة في البحرين.
كان ذلك في مواجهة حملة هستيرية من التخويف والتضليل استخدمت بشكل خاص المجالس الأهلية ووسائل التواصل الاجتماعي، ووقف خلفها أناس يرمون لتحقيق مآرب خاصة، وتمكنوا من تحشيد جانب كبير من الرأي العام ضد اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) عندما صوَّروا هذه الاتفاقية على أنها مؤامرة غربية تهدف لدفعنا للتخلي عن العقيدة الإسلامية وتمس بشرف نسائنا.
بسعة صدر كبيرة أوضح الشيخ خالد بن علي أن هذه كلها مزاعم ليس لها أي سند، لا سيما وأن البحرين وقعت البحرين على اتفاقية السيداو قبل 14 عاما بعد أن تحفظت على خمسة بنود فيها، وما يجري حاليا ليس إلا إعادة صياغة تلك التحفظات بما يعزز من عدم تعارضها مع الشريعة الإسلامية.
نتفهم، بل ونشجع الاختلاف في الرأي بين النواب من منطلق قلقهم على حماية حقوق المرأة البحرينية وتعزيز الاستقرار الأسري، لكن ما صدمنا بالفعل هو درجة التضليل الذي مارسه أولئك الذين عملوا على إثارة جو من الهستيريا في البرلمان والشارع ضد الاتفاقية.
هذا التضليل بلغ في بعض جوانبه حد اتهام القيادة البحرينية زورا بمحاولة تقويض العقيدة الإسلامية كما أشارت الكاتبة الصحفية سوسن الشاعر في أحد مقالاتها. نحن ندرك أن قلة منا فقط خبراء في قضايا القانون الدولي المعقدة، ولكن يفترض أن يكون لدينا جميعا قدر من المسؤولية الوطنية قبل الإقدام على شن حملة شعواء تكاد تمس المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بين عيسى آل خلفية عاهل البلاد المفدى وميثاق العمل الوطني في مجال تمكين المرأة وتعزيز المساواة.
يثير غضبي رؤية البعض يفخرون بالدور الذي تقوم به المرأة في اقتصادنا الوطني في حين يعارضون مبدأ السماح للمرأة سيدة الأعمال بالسفر بحرية، أو يكتبون حول المستوى التعليمي والفكري المتميز لنسائنا فيما هم يعتقدون أنه لا ينبغي السماح للنساء بمغادرة المنزل دون رقابة لصيقة، أو يتغنون بإعلان الحقوق والحريات العامة في البحرين ضمن أحكام الشريعة الإسلامية، في حين ينظرون إلى المرأة على أنها مواطن من الدرجة الثانية في بيتها وليس لديها رأي في قضايا الزواج وحضانة الأطفال.
هل يعي من وقفوا ضد السيداو كيف ينظر العالم إليهم عندما يروَّجون بقصد أو بغير قصد فكرة أن تمكين المرأة يتناقض مع تعاليم الإسلام أو أن جميع الاتفاقيات الدولية هي مؤامرات خارجية تهدف إلى تقويض عقيدتنا وسيادتنا الوطنية؟، وهل يدركون خطورة ذلك على سمعة مملكة البحرين ومكانتها الدولية؟. هل يريدون الإساءة إلى موقف ملكنا أو وزير خارجيتنا مثلا عندما يجلسان على طاولة الكبار في أحداث دبلوماسية كبرى ويتحدثون عن مدى تقدم البحرين في مجال الدفاع عن الحقوق والحريات لجميع المواطنين؟
دعونا ننهض بدورنا في تعزيز مكانة البحرين في المحافل الدولية، لا أن نكتفي بمجرد الفخر بهذه المكانة.
للأسف، لا يزال لدينا جمعيات سياسية وبعض الجيوب هنا وهناك يعارضون بشكل أساسي مشاركة المرأة في الحياة العامة، ويعتقدون أن دور المرأة يجب أن يقتصر على المنزل، فقبل بضعة أشهر اقترح عدد من النواب دفع مكافآت للنساء اللواتي لا يعملن، ونحن لدينا شكوك قوية بأن هذا الاقتراح -الذي لم ير النور- يهدف لـ “تشجيع النساء على البقاء في المنزل”.
هل هم لا يدركون فعلا أن مصادقة البحرين على السيداو -بعد إدراج عدة تحفظات- يواكب تماما رؤية جلالة الملك وثقته بقرينة جلالته صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة من خلال عمل المجلس الأعلى للمرأة الدؤوب على تمكين المرأة البحرينية في جميع مناحي الحياة؟
أنا فعلا أشعر بفخر كبير فيما أرى عدد من الشباب البحريني المنضوين في مبادرة “مواطنون للبحرين” وقد قاموا بحملة إعلامية عقلانية رصينية تستهدف بيان الحقائق بشأن السيداو للرأي العام الخارجي والداخلي خلال الأشهر الأخيرة، وذلك ضمن اهتمام مبادرة “مواطنون للبحرين” في المقام الأول بتوعية الرأي العام العالمي بالحياة الاجتماعية والثقافية والحقوقية والديمقراطية في البحرين على حقيقتها، لذلك يدرك هؤلاء الشباب تماما كيف يمكن أن يؤثر انسحاب مملكة البحرين من السيداو على سمعة المملكة دوليا.
إن أعظم وأحلى الانتصارات هي دائما تلك التي تتحقق بصعوبة، وتمرير مرسوم السيداو من البرلمان انجاز كبير في سجل البحرين، ومع ذلك، لا ينبغي لنا دخول هذه الدوامة من المناوشات كلما أردنا تسجيل انجاز مماثل للبحرين، خاصة مع وجود خصوم يفتعلون سجالات غير شريفة تعارض كليا رؤية وتطلعات قيادتنا.