لدى البحرين واحدا من أقدم أنظمة التعليم العام في الخليج العربي والمنطقة، حيث ظهرت المدارس بمفهومها الحديث منذ مطلع القرن الماضي، كما كانت البحرين أول دولة خليجية تفتح مدارس حكومية نظامية لإناث.
وكثيرا ما يقال إن واحدا من الآثار الإيجابية لنظام التعليم الحديث في البحرين كان الجمع بين الأطفال من مختلف الطوائف، وخلق الإحساس بالهوية الوطنية المشتركة ومنع ظهور التمييز الطائفي، -إلى أن ظهرت أفكار الخميني الخبيثة واستشرى ضررها لأجيال لاحقة-.
لكن ما يقلقني هو أن هذا الزخم الكبير في تحديث أنظمة التعليم في البحرين توقف في فترة ما، وهذا يعني أننا لا نعرف أو لا نعترف أن كل دينار يجري استثماره في نظامنا التعليمي يعود علينا بعشرة أضعاف من حيث الفوائد التي يجنيها الاقتصاد والثقافة والمجتمع ككل.
وإذا نظرت إلى الأمر كرجل أعمال يمكنني التأكيد على أن زيادة الاستثمار في التعليم هي الوسيلة الأكثر جدوى حتى من الاستثمار في الثروات الطبيعية.
نحن نرى عددا متزايدا من الأسر البحرينية تدفع بأبنائها تجاه التعليم الخاص مما يدل على عدم ثقتها في نظام التعليم الحكومي، وازدياد حدة التباين بين مستوى التعليم الحكومي والخاص لصالح الأخير يشكل خطرا متناميا على اقتصادنا، كما أنه يبرز انقساما اجتماعا وثقافيا حادا بين طبقتين في المجتمع، ونأمل أن نرى المزيد من الجهود لإغلاق هذه الثغرة بحيث لا تشعر الأسر الفقيرة أنها بحاجة لتقديم تضحية مالية كبيرة لتضمن مستقبل أطفالها.
لقد سمعت مرات عديدة عن خطط لجعل البحرين وجهة إقليمية للطلاب الدوليين في الوقت الذي تحتاج فيه الدولة إلى الاعتماد على مصادر أكثر تنوعا من الإيرادات، لكن مع الأسف لم نرى حتى الآن تحركات ملموسة لجعل هذه الرؤية حقيقة واقعة.
لدى البحرين الكثير من العوامل التي تجعل منها وجهة كبيرة للطلاب الأجانب، لديها تكاليف معيشة أرخص بكثير من العديد من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، مما يجعلها في متناول سكن الطلاب، وربما بالإمكان أيضا جعل رسوم التعليم ذات قدرة تنافسية عالية.
كذلك تسود قيم التسامح والتعايش والانفتاح الثقافي هنا في البحرين وهذا له تأثير كبير على التعليم العالي، فدراسة الفلسفة والسياسة والدين والتاريخ والفنون تتطلب نهجا متحررا في حرية التعبير، مما يسمح للطلاب بالوصول إلى استكشاف الأفكار المعقدة دون قيود رقابية ثقيلة، وعلاوة على ذلك يشكل هذا التسامح عامل جذب مهم جدا لأفضل المدرسين والمحاضرين ولأسرهم.
كما وفرت التقاليد الثقافية المتنوعة في البحرين بيئة ملهمة لدراسة الفنون، والحرف والتخصصات الإبداعية، كما وفرت البيئة التنظيمة المتطورة هنا منصة انطلاق مثالية لرجال الأعمال وأولئك الذين يطمحون إلى مهنة في القطاع الخاص.
ونحن بحاجة أيضا إلى النظر في ما يجلب الطلاب الأجانب للبحرين، خاصة وأن هؤلاء الطلاب يشكلون مصدرا ممتازا للدخل، فهم يستأجرون المساكن، ويوفرون فرص نمو كبيرة للخدمات والمنتجات التي تلبي احتياجاتهم، كما أنهم ينخرطون بقوة في الأنشطة الثقافية والترفيهية، ما يهيئ لحدوث طفرة فيها.
لدى البحرين برنامج ممتاز للمنح الدراسية لإرسال الطلاب إلى أفضل الجامعات في مختلف أنحاء العالم، وهذا ينبغي تشجيعه، ولكن ماذا لو كانت أفضل الجامعات هنا في البحرين؟، هذا سيوفر على الدولة تكاليف ويوفر عل الطالب والأهل عناء الاغتراب.
يعمل لدي عشرات من البحرينيين، وأدرك تماما أنهم قابلين للتعلم الدائم، لكن علينا الاستثمار بهم دائما لناحية التدريب والتطوير، فغالبا ما يجد الخريجين البحرينيين أنفسهم في منافسة مع غير البحرينيين الذين هم على استعداد لأداء نفس العمل بنصف الأجر، والحل الوحيد لذلك هو أن يكون البحرينيين أقدر على أداء هذه المهمة بضعفين.
وفيما يمر اقتصاد البحرين في أوقات صعبة، وسنقول وداعا للنفط في فترة ليست بعيدة، وهنا يجب أن يقود القطاع الخاص دفة النمو، لذلك يجب أن يكون الجيل القادم من أولادننا مبدعين ومبتكرين وقادرين على اقتناص الفرص وتوليد الإيرادات، ويلعب التعليم دورا حاسما في كل ذلك.
إن التعليم ليس مجرد ملء رؤوسنا بالمعلومات، فالتعليم ذو المستوى العالمي يعتمد في المقام الأول على تزويدنا بأدوات التفكير.
لا يجب الركون كاملا إلى الحكومة في توفير التعليم الجيد لنا، يمكن لنا أن نمضي قدما ونخلق مصيرنا بأنفسنا، ونأمل أن تسهم التحديات الكثيرة التي تواجه البحرين والمنطقة في هذا الوقت بتحفيزنا في إعادة تقييم التعليم وإعطائه قيمته ومكانته الحقيقية.