ربما ينتابنا شعور جماعي بالخجل في كل يوم تظهر فيه الصحف المحلية بالخط العريض مآسي نوابنا، سواء كانوا يتحاربون فيما بينهم، أو مع مجلس الشورى، أو يبحثون تشريعا ضد الوشم، أو يقدمون مقترحات ليس لديها أي فرصة للتنفيذ.
وبعد أن أصبح رصد هفوات النواب هواية واسعة الانتشار، ربما يجدر بنا أن نسأل أنفسنا لماذا وكيف وصلنا إلى هذا الوضع؟. وأهمية الإجابة على هذا السؤال تنبع من أهمية الدور الأساسي الذي نتوقعه من البرلمان في المضي قدما بتنفيذ المشروع الإصلاحي لجلالة الملك.
إذا كان العيب في نوابنا فهل يجب أن نلوم أنفسنا على اختيارهم؟. هل نتوصل إلى نتيجة مفادها أن هؤلاء النواب هم نتاج هذا المجتمع وبالتالي لا يمكن أن يكونوا أفضل أو أسوء منه؟، أنا أفضل أن ننظر إلى الصورة الأكبر: هل فشل نوابنا عائد لكوننا نطلب المستحيل منهم فيما هم في موضع لا يحسدون عليه؟.
لا يمكننا الإجابة على تلك الأسئلة دون الأخذ بالأزمة الاقتصادية الإقليمية بعين الاعتبار، وهي أزمة تتطلب سلطة تنفيذية قوية قادرة على اتخاذ قرارات جريئة وتحمل مسؤوليتها.
لكن هل نلوم الحكومة على قيامها برفع الدعم عن البنزين دون العودة لمجلس النواب؟، لا على الإطلاق، فهناك حاجة ملحة لخفض النفقات، ونستطيع أن نجزم أنه لو أن الحكومة طلبت رأي النواب لاستغرق ذلك الأمر عدة أشهر، وعاد النواب بعدها وهم يضعون شروطا وتحفظات ربما بعضها غير قابل للتنفيذ – كما حدث تقريبا مع إصلاحات دعم اللحوم-.
ورغم تحديد مهام المجلس النيابي بوظفيتين واضحتين هما التشريع ومراقبة أداء الحكومة، وتحديد أطر وآليات أداء النواب لهتين الوظيفتين، إلا أنه لدينا رؤى متضاربة حول توصيف مهام ودور وآلية عمل النواب، فهل هم تحت قبة البرلمان للعمل مع الحكومة أم ضد الحكومة؟ وهل يجب أن يشاركوا في وضع السياسات العامة أم يكتفوا برصد تنفيذها؟ وهل يجب عليهم الاهتمام بالقضايا الوطنية والدولية في المقام الأول أم التركيز على تنفيذ بنود برنامجهم الانتخابي الخالي من الأبعاد الدولية؟.
النتيجة هي أن النواب يتشتتون في اتجاهات مختلفة ولا يحققون نجاحا مقنعا في أي منها. في بعض الحالات يسقط المطر فيعقدون جلسة خاصة حول مياه الأمطار، وفي حالة أخرى تصدر الحكومة مرسوما لا يعجبهم فيقاطعون الجلسة تماما.
لقد كلف الناخبون النواب برصد تنفيذ السياسات العامة، في الصحة والتعليم والإسكان وغيرها، فكيف يمكن للبرلمان أن يكون مؤهلا للقيام بهذا الدور بدلا من تشكيله لجان للتحقيق في مناقصة تجارية خاصة بالإعلانات على أعمدة الإنارة، وأخرى لمسابقة تلحين القرآن الكريم في مدرسة خاصة؟!.
نحتاج أن يكون برلماننا بيتا للخبرة يصغي إليه المسؤولون باحترم، لأنهم يعرفون أنهم سيحصلون على فهم أفضل للقضايا المطروحة وفكرة أوضح عن أفضل القرارات لخدمة الناس، وبدلا من جلسات البرلمان المكرسة كليا ليقول فيها كل نائب مداخلة تكاد تكون متطابقة مع ما قاله النائب الذي قبله، يجب أن يعمل النواب على التنسيق بينهم مسبقا، بحيث تكون الإجراءات البرلمانية سريعة وفعالة.
لقد أثارت الصحفية والكاتبة سوسن الشاعر مؤخرا نقطة مهمة جدا تتعلق بضرورة رفع مستوى مؤهلات الراغبين بالترشح للبرلمان حتى يكون لدينا مجلسا يضم 40 من أفضل العقول في البحرين. يجب ألا تكون الانتخابات مسابقة شعبية حول من أي قبيلة أنت وما هو طول لحيتك، وعلى على المنظمات غير الحكومية وغيرها من المؤسسات إتاحة الأجواء أمام إجراء مناقشة عامة حقيقية، وتبيان المواقف والمؤهلات والصفات لجميع المرشحين على حقيتها، وذلك حتى نتمكن من اتخاذ قرار مستنير.
لا أحد يريد أن يتم اختطاف النظام السياسي من قبل القضايا العقائدية والطائفية بهدف تسجيل النقاط فقط، واقتراح مجلس الشورى مؤخرا بمنع رجال الدين من عضوية الجمعيات السياسية مهم جدا، ولكن علينا أن نذهب إلى أبعد من ذلك بحيث يجري منع المجتمعات الطائفية والقائمة على الدين من المشاركة في العملية السياسية تماما، وهذا يأتي متماشيا مع التوجه العام للناخبين في الانتخابات الأخيرة.
نريد برلمانا قويا، ولكن “القورة” لا تعني العرقلة وأن نسير على خطى البرلمان اللبناني أو الكويتي، وبعض النواب ومؤيديهم يقيسون نجاحهم عبر عدد الوزراء الذين طالبوا باستجوابهم وعدد القوانين برغبة التي أطلقها، وفي الواقع ليس لدى البرلمان سلطة ما لم يعمل بشكل مثمر مع الحكومة.
البرلمان القوي والفعال هو أحد المحاور الرئيسية في عملية الإصلاح والتحول الديمقراطي في البحرين، وينبغي لنا أن نفعل كل ما في وسعنا لدعم وتمكين هذا البرلمان، والنقد البناء عنصر حيوي في هذا التمكين.
ونحن بحاجة لأن نكون واقعيين بشأن ما نتوقعه من النواب. بالمقابل يجب أن يتمتع النواب مجتمعين برؤية أكثر وضوحا حول الأمور التي يعملون على تحقيقها إذا ما أرادوا فعلا تحقيق أي انجاز.