لا يكاد يمر يوم واحد دون أنباء عن وقوع هجوم إرهابي في أوروبا أو أمريكا، وفي منطقتنا العربية طبعا، ومعظم هذه الهجمات يجري تبنيها من داعش مباشرة أو من جماعات وأفراد على ارتباط بالتنظيم.
مثل هذه الهجمات تسمح مرة أخرى بتصاعد الهجوم على الإسلام والمسلمين جميعا من قبل يمينيين متطرفين بعضهم شخصيات بارزة، يتهمون المسلمين كلهم بلا استثناء بالإرهاب أو على الأقل التعاطف مع الإرهابيين، ويذهبون للإدعاء أن الإرهاب متأصل في العقيدة الإسلامية.
أحد الأصوات التي تجاهر بعدائيتها للإسلام هو مرشح الرئاسة الأمريكية، دونالد ترامب، الذي ادعى مرارا أن المسلمين في جميع أنحاء العالم احتفلوا بعد هجمات سبتمبر2001 في نيويورك، وهناك العشرات في الغرب على غرار ترامب الذين يربطون الإرهاب بالإسلام.
وفقا لوجهة النظر هذه، فإنه إذا لم يخرج جميع المسلمين ويدينون هذه الهجمات علنا، فإنهم سيكونون مشبوهين وتحت طائلة المسؤولية بطريقة أو بأخرى، وهذا أمر يثير السخرية بشكل واضح، فلا يمكن أن ألوم جميع السائقين في العالم لمجرد أن أحدهم صدم سيارتي وهرب.
إذا كان دونالد ترامب خبيرا في الفقه الإسلامي فإنه لا بد استمد طلبه من جميع المسلمين إدانة الإرهاب علنا من المبدأ الإسلامي “فرض عين”، حيث يتوجب على كل مسلم –وفقا لترامب- أن يشجب علنا تصرفات داعش وإلا فإنه يعتبر عدوا.
لكن لماذا يتوجب علينا تحمل وزر جرائم داعش، ولماذا يجب على جميع المسلمين –خاصة الذين يعيشون في الغرب- أن يواظبوا على سب وإدانة داعش ليل نهار؟. إن المبدأ الأصح هنا هو “فرض كفاية”، أي التزام جماعي على مجتمعنا المسلم، وإدانة واتخاذ إجراءات ضد فظائع داعش وأعمال المتطرفين الآخرين.
لقد نقلت في مناسبات سابقة مقولة شهيرة للمفكر السياسي إدموند بيرك: “الشيء الوحيد الضروري لانتصار الأشرار هو عدم قيام الأخيار بأي فعل”، وبورك يقول شيئا مختلفا جدا عن دونالد ترامب، فترامب يدعي على نحو واسع أن جميع المسلمين أشرار ما لم ينجح الفرد منهم بإثبات براءة نفسه، وبكلمات أخرى “كل مسلم إرهابي حتى يثبت العكس” وفقا لترامب.
العديد من العقلاء أشاروا في الآونة الأخيرة إلى أن تصرحيات دونالد ترامب وهجومه الغريزي العنيف على المسلمين هو أفضل طريقة لزيادة عدد الملتحقين بداعش، ففي الواقع إن الاستماع إلى هذا النوع من الخطابات الحماسية ربما يدفع الشخص للتراجع عن التحدث علنا ضد الإرهاب، لأن هذا الشخص سيفكر في وقت من الأوقات أن يحارب الإرهاب لا ليشء سوى تبرئة نفسه من جهة وإرضاء ترامب ومن هم على شاكلته من جهة أخرى.
لذلك أعود إلى تعليقات بيرك عن الأخيار الذين يجب عليهم الوقوف في وجه الأشرار، ونحن بمجملنا أخيار، فقد تربى معظمنا تربية جيدة، ونحن نعرف الفرق بين الخير والشر، وليس لدينا شك في أن داعش شر مطلق.
وعلاوة على ذلك، لا يمكن للمسلمين هزيمة داعش إيديولوجياً فيما يقول دونالد ترامب إن الإسلام هو دين وحشي يعيش لأكثر من ألف سنة في الماضي، في وقت نستطيع فيه كمسلمين تأكيد فعالية ما يمثله الإسلام من قيم عليا في التسامح والإخاء والمحبة واحترام الآخر، إضافة إلى أننا الوحيدين القادرين على الحديث للعالم عن معاني الإسلام المتجددة في القرن الحادي والعشرين.
لقد أجريت تجربة اجتماعية مثيرة للاهتمام في هولندا مؤخرا، حيث عمد القائمون على هذه التجربة إلى وضع غلاف القرآن الكريم على صفحات الإنجيل، وطلبوا من أناس مختلفين قراءة بعض النصوص، وكانت النتائج مثيرة للدهشة، وتؤكد في الوقت ذاته أن موقف الناس المسبق من الدين الإسلامي يحدد فهمهم للنص.
وفي حين يمكننا أن نختلف بقوة مع دونالد ترامب حول وجود “فرض عين” على كل مسلم إما أن يدين الإرهاب أو يكون ملعونا كإرهابي، فإنه يمكننا أن نتفق بشدة على ضرورة أن يكون هناك “فرض كفاية” على المسلمين، بحيث تنهض جماعة منهم بالتحدث علنا ضد الشر، وتعمل على تعزيز الجوانب الجيدة والمتسامحة في الإسلام.
لقد اكتسحت إمبراطورية الشر “داعش” الكثير من الأرض في العراق وسوريا وأجزاء ربما حتى من ليبيا ونيجيريا واليمن وأماكن أخرى، ولكن هناك الكثير الذي يمكن عمله من أجل تحجيم هذا الشر المتمدد ومنعه من الانتصار، بل وهزيمته أيضا.