الشيء الوحيد الذي تتعلمه بعد قضائك سنوات عديدة تتخذ قرارات كبرى هو أنه حتى عندما تتخذ القرار الصائب عليك أن تجهز نفسك لعواقب سلبية.
في كثير من الأحيان يرفض السياسيون الاعتراف علنا بهذا، ويتخذون أو يساهمون باتخاذ قرارات وتدابير تؤثر على آلاف وربما ملايين الناس ويدَّعون أن الجميع سيكون أفضل حالا، لكن في واقع الأمر فإن تلك التدابير ستكون إيجابية على بعض الناس وسلبية على بعضهم الآخر.
القيادة الحقيقية هي أن تدرك هذا وتكون على استعداد للتعامل مع الآثار السلبية للقرارات التي سبق وتحملت مسؤولية اتخاذها.
القضية الكبرى التي تواجه البحرين اليوم هي إصلاح الدعم مع الانخفاض الحاد في إيرادات الحكومة، ومعظم الاقتصاديين وحتى الناس العاديين يدركون ذلك تماما.
لكن هناك الكثير من الخلافات أو لنقل وجهات النظر حول كيفية السير بالإصلاحات الاقتصادية المزمعة، في وقت يبدو فيه أن هناك اتفاقا بين معظم الشخصيات البارزة في الحكومة والبرلمان حول ضرورة إلغاء أو على الأقل الحد من الإعانات الحكومية لغير البحرينيين على مدى السنوات القليلة المقبلة، وهو أمر من المتوقع أن يحقيق وفورات كبيرة في الخزينة العامة عند تطبيقه، لكن هل لهذا عواقب سلبية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار؟
الكثير من الشركات الكبرى توظف أعدادا ليست بقليلة من غير البحرينيين، ولن يمر وقت طويل حتى نجد أنفسنا أمام معاناة موظفين غير بحرينيين يشتكون من أنهم لا يستطيعون العيش في البحرين لارتفاع تكاليف المعيشة، وسيضطرون إلى مغادرة البحرين للعمل في بلد آخر أو العودة إلى بلادهم.
ربما يزعم بعض الناس هنا أن هذا أمر جيد يخفف بطالة البحرينيين، لكن الحقيقة البسيطة هي أن هناك مجموعة واسعة من الوظائف الدنيا منخفضة الأجر لا يظهر البحرينيون أي استعداد لشغلها، فضلا عن عدد من الوظائف التي تتطلب مهارات العمال الأجانب.
ستضطر الشركات في نهاية المطاف إلى رفع أجور العمال الأجانب للتعويض عن القفزة في تكاليف المعيشة، وهذا غير مناسب أبدا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة أساسا والركود النسبي في الاقتصاد البحريني حتى قبل تهاوي أسعار النفط، وهو ما سيدفع تلك الشركات إلى مغادرة البلد أو الإغلاق أو حتى إشهار الإفلاس، وبالمقابل ستقل شهية الشركات الأجنبية تجاه القدوم إلى البحرين والاستثمار فيها.
يأتي هذا كله في وقت تواجه في مؤسسات الأعمال في البحرين فرض مجموعة من الرسوم الجديدة التي أدخلت أو قيد المناقشة، مثل رسوم الصحة على العمال، ورسوم الترخيص للمشاريع العقارية.
إضافة إلى ذلك فإن السلع الأساسية سوف تصبح أكثر تكلفة بالنسبة للمستهلك البحريني نفسه، لأن العمالة الأجنبية الرخيصة التي تستخدم لتشغيل المصانع والحفاظ على المستودعات ونقل المنتجات لم تعد رخيصة كما كانت.
لقد جعلت البحرين من أولوياتها الانخراط في أعمال التجارة الدولية والسياحة، وواحدة من المزايا الرئيسية التي تتمتع بها البحرين مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى هي عدم غلاء تكاليف المعيشة نسبيا بينما يحصل الموظفون والعمال هنا على متوسط رواتب هو من الأقل خليجيا، والمشكلة أن رفع الدعم سيؤدي إلى زيادة تكلفة الحياة مع عدم توقع تحسن مستوى الدخل في القطاعين العام والخاص.
إعادة توجيه الدعم يحرم البحرين من ميزة تنافسية مهمة، لذلك يجب الدخول في نقاش مع الشركاء الخليجيين حول نهج منسق لإصلاحات الدعم، خاصة إذا كنا جميعا مرغمين على الخضوع لهذه العملية المؤلمة ولكنها ضرورية في نفس الوقت، فعلى الأقل نحن جميعا في قارب واحد.
ندرك أن أمام الوزراء قرارات صعبة عليهم اتخاذها لتنمية الموارد وخفض النفقات، لكن هذه القرارات تستهدف القطاع الخاص في تمويل القطاع العام، وهنا يجب الحرص على عدم قتل الدجاجة التي تبيض ذهبا!.
لقد تضرر الجزارون بشدة من إصلاح دعم اللحوم، وشهدنا بالفعل ارتفاعا حادا في الأسعار، وهذه الحالة مرشحة للاستنساخ في قطاعات مماثلة عن رفع الدعم عنها، وهذا يفرض علينا ضرورة اتخاذ نهج تشاركي واضح يتجنب المشاكل التي قد تكون ذات أبعاد اجتماعية وحتى أمنية.
لقد أنعم الله على البحرين بشعب منفتح ومثقف، وإن قضية الدعم واحدة من الشغل الشاغل للمواطنين البحرينيين، وكذلك المقيمين، وما زال علينا إجراء نقاش عام كامل ومفتوح حول جميع جوانب قضية الإعانات.
إن كثيرا من البحرينيين كانوا بالكاد يدركون كيف يعمل نظام الدعم الحكومي، وأي من السلع الأساسية يغطيها، وبأية تكلفة، ويجب الآن وضع تصور واضح حول التوجه الحكومي لتعويض تهاوي أسعار النفط، وما هي الكيانات المعرضة للخضوع للضريبة، وإلى أي حد ستندفع الحكومة في الاقتراض.
إن إشراك الجميع في هذا النقاش من شأنه الوصول إلى أفضل طرق الحل، ويتحمل الجميع مسؤوليته إزاء الإجراءات المزمع اتخاذها بعد أن يتفهمها بشكل تام، ويدرك كيف ستؤثر على حياته ومستقبل أولاده.
إن القرآن الكريم يعلمنا الصبر عند الشدائد وترقب الفرج، ونحن نستطيع أن نجزم بأن هذه الأوقات الاقتصادية الصعبة ستمضي وستخرج البحرين أقوى وأكثر مرونة وأكثر قدرة على المنافسة، ومعا يمكننا اتخاذ القرارات الصائبة التي من شأنها ضمان مستقبل أفضل لنا جميعا.