
وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق
عندما كان وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق مؤخرا في البحرين، قدَّم عرضا حول مزايا الهوية العربية، وكان الموضوع شيقا بالنسبة للحضور الذين كنت واحدا منهم.
في العام 2015 يبدو الحديث عن الهوية العربية والقومية العربية وقد عفا عليه الزمن، بل وكأنه استحضار سخيف لأفكار بالية سادت في خمسينيات القرن الفائت، مع الاعتقاد أنه لا يمكننا الاقتراب من هذا المفهوم دون أن يتبادر إلى أذهاننا فورا صعود نجم الزعيم العربي جمال عبد الناصر الذي عاد للكسوف بعد كارثة حرب الأيام الستة مع إسرائيل.
ومع ذلك، وبعد عقود من الصراعات الإيديولوجية التي سادت خلال العقود الأخيرة، فإننا نميل إلى نسيان أن مفاهيم القومية والهوية العربية التي تم تداولها آنذاك كانت عملية جدا وصالحة لتجاوز تحديات العصر.
للأسف، نحن الجيل الذي نشأ في ظل عبد الناصر لم نقدر بشكل صحيح قيمة هذه الرسالة أو آثارها. أنا لست هنا للدفاع عن عبد الناصر أو ايديولوجيته وتركته، وهذا لم يكن في نية الوزير مشنوق ايضا، ومع ذلك، تبقى هذه الرسالة علامة بارزة في الوطن العربي الذي فقد على مدى السنوات الخمسين الماضية جزءا كبيرا من الإحساس بالهوية المشتركة.
فبدل تلك الهوية صعدت هويات وانتماءات ذات بعد ديني وطائفي بما تحمله في طياتها من بوادر انقسام وتشرذم خطيرة، حتى بتنا في هذه الأيام أبعد ما نكون عن تحقيق طموحات الوحدة والعروبة والتقدم الثقافي.
هذا التشرذم والتقوقع داخل الطائفة يقوده حفنة من رجال الدين غير السويين، والذين تحول الدين الإسلامي الحنيف على أيديهم من عامل جامع موحد للغالبية العظمى من سكان هذه المنطقة إلى عامل تفرقة بل وتصادم بين طوائف وملل ونحل، وبرزت قبل بضعة عقود ظاهرة “التكفيريين” الذين باتوا اليوم قوة همجية عنيفة تهدد حياة مئات الآلاف بل ملايين البشر من المسلمين أنفسهم قبل غيرهم.
وإضافة إلى الدين، لدينا الكثير من الهويات الخلافية الأخرى، القبلية والعرقية والإثنية، إضافة إلى تزايد حدة الانقسامات الطبقية، ناهيك عن مجموعة كاملة من الهويات السياسية المختلفة بل والمتنافرة، حتى بتنا في هذه الأيام نعيش كعرب زمن التفكك التام.
إبان كل ذلك تبرز الحاجة الآن أكثر من أي وقت إلى ظهور مفكرين وشخصيات بارزة لمعالجة أزمة الهوية ومساعدتنا على تأكيد انتمائنا إلى الأمة العربية، خاصة وأنا كعرب ندرك أننا لسنا الآن في أحسن حالتنا، بل ربما نكون في أسوئها، وكلما قلنا إننا وصلنا إلى الحضيض كشفت لنا الأيام التالية أن حالنا يزداد سوءا.
نذكر أنه عند مطلع القرن الفائت بدأت بوادر نهضة عربية مع نهاية الحكم العثماني وبروز ما يعرف بعصر التنوير أو النهضة، وفي الخمسينيات كان يشار إلى مدن عربية مثل دمشق وبيروت والقاهرة على أنها العواصم الأكثر جمالا في العالم، حتى أن مصر أقرضت أموالا إلى الإمبراطورية البريطانية بما أسهم في منع انهيارها اقتصاديا آنذاك.
خلال نفس الفترة كان العراق يشهد معدلا تننمية مذهلة، وكان في مصاف دول العالم في تطبيق معايير التعليم، كما عاش لبنان حقبة ازدهار ثقافي عظيم، وحققت دول عربية عديدة قفزات واسعة في مجالات التنمية الاقتصادية والتقدم التعليمي والثقافي والنشاط الفكري. كان الشعور بالفخر يملأنا كعرب.
لم تدم هذه النهضة طويلا حتى اجتاحت العديد من الأيديولوجيات السياسية والدينية المنطقة وعادت بها إلى الوراء لعقود وعقود، ضعف مفهوم الفكر القومي الجامع على حساب توسع إيدلوجيات الإسلام السياسي، وما يمكن تسميته بـ “الخمينية”، والبعث، والجهادية وغيرها.
هذا التدهور في مكانة الهوية العربية والنشاط الفكري العربي لخصه المفكر المغربي الطاهر بن جلون بقوله “ليس لدينا مثقفين عرب ذوي مكانة دولية لأننا نعيش حالة تراجع مزمن على جميع الأصعدة. نحن نهوي في بئر ليس له قاع”.
والسؤال الذي يواجهنا اليوم هو كيف يمكننا تخليص أنفسنا من هذه الحالة من الرداءة والتشرذم، في وقت يبدو فيه قلة من الناس يشككون في جدوى الولاء لإيديولوجيات خذلتنا، خاصة وأنها قامت أساسا على الكراهية للآخرين: الكراهية للإمبريالية الغربية، وكراهية غير المسلمين، وكراهية طائفة لأخرى.
كبحرينيين فخورون بانتمائنا لهذا الوطن، لا ينبغي لنا أن نبني هويتنا الوطنية فقط حول كراهية إيران، أو الغرب، وإنما على حب بلدنا، وحبنا لبعضنا البعض ورغبتنا في جلب الازدهار للبحرين، وغرس الولاء في نفوس الشباب الذين سنعهد إليهم في نهاية المطاف بحمل الراية.
يمكننا أن نفخر بثقافتنا العربية المشتركة؛ لدينا تاريخ طويل زاخر بالانجازات التي تحققت أو تلك التي تنتظر منا تحقيقها، فالعالم العربي عاش فترات عظمة وإنجاز، وسوف يفعل ذلك مرة أخرى، لكن هذا لن يحدث إلا إذا عملنا مع بضها كعرب لتحقيق هذه الرؤية.
وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق