كثرا ما يربط الاقتصاديون أنفسهم بضرورة اتباع نماذج اقتصادية مختفلة تجعل الدول تزدهر، ومع ذلك، فإن شرطأ أساسيا أوليا يحقق الازدهار لا يتحدث عنه الاقتصاديون غالبا، إنه ببساطة تجنب الصراع.
معجزتان اقتصاديتان حدثتا بعد الحرب العالمية الثانية، كانتا اليابان وألمانيا، ويمكن القول إن هاتين الدولتين هما المسؤولتين أساسا عن إشعال فتيل حرب دمرت مجتمعيهما واقتصاديهما، لكنهما استفادتا من أخطاء العسكرة العدوانية، واعتمدتا “السلمية” في دساتيرها، وضعتا كل الطاقات لقيادة القطاعات الصناعية إلى الأمام.
حدث ذلك في وقت كانت فيه كثير من الدول الغربية – في سياق الحرب الباردة – تنفق أجزاء كبيرة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع والمعدات العسكرية، حتى أن دولا عظمى مثل الاتحاد السوفيتي أفلست وتفككت لعديد من الأسباب على رأسها الإنفاق العسكري الهائل والتدخل في أفغانستان وغيرها من الدول.
يمكننا أن نتساءل عما اذا كانت روسيا اليوم تعيد نفس الأخطاء، وبعد مغامرات عسكرية مكلفة روسيا في جورجيا ثم أوكرانيا، ها هو الرئيس فلاديمير بوتين ينفق الآن احتياطيات روسيا على صواريخ كروز والحملات العسكرية في سوريا ويرفع من حجم الانفاق العسكري في وقت اسفرت فيه العقوبات الغربية وتراجع أسعار النفط عن شلل الاقتصاد الروسي.
ومن الواضح أن بوتين يعتقد أن هذه الرهانات ستوسع الهيبة الروسية، وزيادة القدرة على المساومة في المؤتمرات الدولية، وسوف تسمح روسيا بإبراز نفسها مرة أخرى كقوة عظمى.
إلا أن القوى العظمى الحقيقية لا تحتاج إلى اقتراض المال لتوسيع نفوذها، القوى العظمى الحقيقية لا تواجه خطر الإفلاس فيما هي تمعن منذ قرابة خمس سنوات في دعم نظام دكتاتوري مجرم فاقد لمصداقيته ولا يسيطر إلا على مساحة صغيرة من أراضي دولته.
قبل الحرب العالمية الأولى كانت قلة من الامبراطوريات الغربية تتحكم بـ 90٪ من اليابسة في العالم، لكنها تلاشت بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، والسبب أنها كانت تستخدم قوتها المالية والصناعية الهائلة في تدمير بعضها البعض.
منطقة الشرق الأوسط كانت أيضا ميدانا للعديد من الحروب والصراعات التي نجم عنها خسائر فادحة عانى منها الجميع بلا استثناء، لكن هذه الحروب تجددت مؤخرا في العراق وليبيا واليمن وسوريا، وسادت الاضطرابات في بلدان أخرى، وأدت إلى ويلات مدمرة يرزح تحتها ملايين البشر حاليا.
ومن الواضح أنه عندما تنفق الحكومات أكثر من دخلها على البنادق فإن ذلك يكون على حساب المدارس والطرق والمستشفيات والبنية التحتية، وحتى الدول الفقيرة كاليمن سابق ومصر حاليا باتت تنفق على الجيش وشراء البوارج والطائرات الحربية أكثر من إنفاقها على تحسين مستويات معيشة المواطنين.
من الطبيعي أن يكون لكل دولة ميزانية الدفاع بقد ما يكفي لحماية حدودها، ومن الحق، بل من الواجب، أن تعزز دول مجلس التعاون الخليجي من دفاعاتها لا أن تكتفي بمجرد المراقبة والسماح لدولة مارقة مثل إيران في تقويض الأمن في اليمن والبحرين وسوريا ولبنان والعراق، ومع ذلك، فإنه عندما يتحسن الأمن الإقليمي ينخفض كثيرا الإنفاق على الدفاع.
يتبين من الأمثلة السابقة أن القوة العسكرية لدولة ما يجب أن تكون على حساب تخفيض مستويات معيشة شعبها، والدرس الواجب معرفته هو أنه يجب علينا أن ننظر إلى ما هو أبعد من الصراعات الحالية، إلى المنطقة وهي آمنة ومستقرة، وتجاوز مرحلة الصراع التي عانينيا منها خلال فترات طويلة من تاريخنا.
لقد تم تأسيس مبادرات مثل دول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية وفقا لهذا الاعتبار، وينبغي لنا أن نعزز هذه المنظمات ونقديم الدعم لهم في العمل من أجل التوصل إلى توافق إقليمي حيث بذور الصراع يمكن احتواؤها قبل أن تتكاثر، وحيث يتم تحديد مصادر التوتر ومعالجتها قبل استفحالها.
أنعم الله على الخليج العربي والعالم العربي بثروة طبيعية هائلة ورأس مال بشري قيم، ولكن نادرا ما يسمح لنا بالتمتع في هذه الثروات.
هناك من يستفيدون من عدم الاستقرار في منطقتنا، من بينهم تجار الأسلحة والمهربين والمنافسين التجاريين وأولئك الذين يسعون إلى التلاعب في الأسواق المالية للاستفادة من الاضطرابات والعنف والبؤس البشري.
ومع ذلك، يجب أن نعترف أن المؤامرات والتدخلات الخارجية ليست المسؤول الوحيد عن مآسينا، ففي مناسبات كثيرة جدا، وحتى لو لم يكن هناك سبب الصراع، فإننا نميل إلى افتعاله.
نحن الوحيدون الذين يمكننا استعادة السلام في منطقتنا، وإذا كنا نستطيع أن نفعل هذا، يمكننا جميعا التمتع بالعوائد الناتجة عن الازدهار وإعادة النمو الاقتصادي وتحقيق الرفاه للمواطنين العاديين.
نحن لسنا بحاجة لاقتصاديين ليعلمونا هذا، فمن الواضح أن الحروب تكلف المال في حين يصنع السلام المال. يجب أن نعي هذا المبدأ البسيط قبل أن نعاني جمعيا من الإفلاس.