روسيا.. صديق أم عدو؟

Screenshot_2015-10-10-12-37-49كثيرون في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط يتطلعون إلى روسيا كصديق أو حليف محتمل، وينظرون إلى ذلك من زاوية أن وريثة الاتحاد السوفيتي الصاعدة عسكريا يمكن أن توازن محاولات التدخل الغربي في المنقطة وتسهم في بناء عالم متعدد الأقطاب، لكن على الرغم من هذا، نجد أن روسيا مرة بعد مرة تتبنى مواقف منحازة ومحيرة ومثيرة لكثير من التساؤلات حول نواياها.

في العصر الحديث نذكر كيف تحالف جمال عبد الناصر مع روسيا بعد أن دعمته إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ولكن هذا التحالف انتهى بكارثة حرب 1967 مع اسرائيل، والتي جاءت إلى حد كبير نتيجة المعلومات غير الصحيحة التي قدمها الروس إلى مصر حول التحركات الخطيرة للقوات الإسرائيلية آنذاك. بعد ذلك بست سنوات قام خليفة عبد الناصر، الرئيس أنور السادات، بإبعاد الخبراء الروس عن جيش مصر في حرب عام 1973، وتمكن خلال هذه الحرب من اختراق خط بارليف وإعادة سيناء إلى الحضن المصري، لماذا يا ترى أقدم السادات على مثل هذا التصرف في وقت هو بأمس الحاجة فيه للخبرات والسلاح؟!.

وفي السبعينيات أيضا منيت الدول التي كانت تدور في الفلك الروسي مثل سوريا بتخلف كبير وركود اقتصادي وعزلة عالمية، في الوقت الذي ازدهرت الدول العربية الأخرى.

وخلال عام 2011 ومع بداية ما يسمى بالربيع العربي، وقفت روسيا دائما في الجانب الخاطئ، وعلى الأخص في حالة سوريا، حيث ساندت عسكريا ودبلوماسيا النظام السوري الذي فقد شرعيته بعدما قتل وعذَّب مئات آلاف السوريين وشرد الملايين منهم، واكتشفنا أن بشار الأسد لم يكن وطنيا أو قوميا عربيا كما كان نظامه يدعي، وإنما مجرد دكتاتور صغير مستعد لتدمير أمته بأسرها من أجل البقاء في السلطة.

مع تلك الأدلة وغيرها يصعب أن نتصور أن روسيا جادة في صداقتها ورغبتها بتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية.

عندما نلقي نظرة فاحصة على قرارات السياسة الخارجية الروسية تجاه الشرق الأوسط، يتأكد لنا أن روسيا تستخدم استراتيجية مرسومة في الوطن العربي لتحقيق غاياتها، ويبدو أنها تدفع من خلال العديد من القرارات السياسية باتجاه حافة الهاوية مع الولايات المتحدة والغرب الأوربي، كما لو أن الشرق الأوسط هو مجرد رقعة شطرنج لروسيا للمناورة فيه ومساومة أعدائها من خلاله.

من خلال دعمها لنظام مكروه فقد شرعيته ولم يعد يسيطر سوى على أقل من ثلث الأراضي السورية بعد أن أنهكته الهزائم المكتررة، تبدو روسيا وقد اختار حليفا خاطئا جلب لها عداوة الحكومات والشعوب في جميع أنحاء المنطقة.

إذا لم تكن جميع وسائل الإعلام العالمية بلا استثناء كاذبة، فإن الضربات الروسية على سوريا استهدفت بالفعل الجماعات المناوئة للنظام السوري وليس تنظيم الدولة الإسلامية كما ادعت روسيا، وبالنظر إلى أن الأسد بات يرزح تحت خسائر عسكرية كبيرة ومتتالية خلال الأشهر الأخيرة، فإنه يمكن القول إن مشاركة روسيا لن تقدم شيئا سوى إطالة أمد الحرب وتصعيد سفك الدماء. هل تريد روسيا حقا أن ينزف المزيد من الدم السوري على يديها؟!.

إيران، حليفة روسيا، أقدمت أيضا على تهميش نفسها من خلال استمرار تدخلها المباشر وغير المباشر في دول المنطقة، وقد اتخذتها روسيا صديقا، وهو ما زاد من الغضب في أنحاء العالم العربي.

روسيا تستعيد الآن فصول الحرب الباردة، علما أن محصلتها من هذه الحرب هي صفر، وتسعى إلى إقامة تحالفات مع دول من منظور عدائها للغرب، وأسفرت سياسة الرئيس بوتين الخارجية تدريجيا في عزلة روسيا على الساحة العالمية.

إن نقاط ضعف بوتين هي ذاتها التي يظن بوتين أنها نقاط قوته، خاصة عندما تتصرف بلاده وكأنها “فتوة” وتتحالف مع دول مارقة، وهذا ما يكسبه بعض الانتباه لبعض الوقت، لكنه لن يؤدي في النهاية إلا إلى تغليظ العقوبات ضده، وشل المؤسسات العالمية مثل مجلس الأمن للأمم المتحدة.

تواجه روسيا كارثة اقتصادية، خاصة مع تهاوي أسعار النفط، وتراجع الروبل بنسبة 43٪ مقابل الدولار في 12 شهرا فقط، ورزوح المستهلكين الروس تحت نير التضخم السريع في أسعار السلع الأساسية، وكان رد بوتين على ذلك هو محاولة استعراض عضلاته على الساحة العالمية من خلال التدخل في أوكرانيا وسوريا وجورجيا وغيرها، وهذا ما قوض مكانة الاقتصاد الروسي، وبالتالي قدرة البلاد على إبراز نفسها باعتبارها لاعبا عالميا رئيسيا. ومع إعلان المملكة العربية السعودية تخفيضا آخر في أسعار النفط يشتد عقدة أخرى من الحبل حول عنق الكرملين.

في الوقت ذاته نجد أن الدول العربية التي تتعارض أيديولوجيا مع روسيا كانت حتى فترة قريبة تسعى لتحسين العلاقات مع موسكو، وذلك ضمن سياسة اتبعت على مدى العقد الماضي تميل إلى تفضيل توسيع العلاقات الدبلوماسية مع القوى العالمية للتخلص من الاعتماد بشكل وحيد وضيق على الولايات المتحدة.

وهذا يعني أن العقبة الوحيدة أمام روسيا لتتمتع بعلاقات وثيقة ومتبادلة المنفعة مع العالم العربي هي سلوك روسيا نفسها، ويمكننا أن نأمل فقط أن يجري الروس تقييما لمدى الضرر الذي اصاب مصالحهم الاستراتيجية نتيجة سياساتهم في الشرق الأوسط، وأن يعيدو التفكير بهذا النهج، عندها تجد روسيا أن العالم العربي كله على استعداد لقبولها بأذرع مفتوحة.

 

يمكننا أن نأمل فقط أن الروس أدرك مدى الضرر أصبحت سياسة الشرق الأوسط لمصالحها الاستراتيجية وأعادت التفكير نهجها. إذا كان لهذا أن يحدث، فإن روسيا العثور على العالم العربي كله على استعداد لقبولها بأذرع مفتوحة.

 

الرئيس التنفيذي لمجموعة بروموسيفن القابضة

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s