دروس للبحرين من أزمة سوق الأسهم الصينية

Mr. Akram

وانج شايولو، صحفي صيني متخصص في الشؤون المالية، تسبب في حالة من الذعر والفوضى في سوق الأسهم الصينية وإلحاق خسائر فادحة بالبلاد، وامتدت حالة الذعر هذه لجميع أنحاء العالم، بما في ذلك هنا في البحرين، حيث أمضى مؤشر سوق البحرين للأوراق المالية أكثر من عشرة أيام متواصلة في اللون الأحمر، لتتضاعف بذلك متاعبنا الاقتصادية الناجمة أساسا عن الانهيار الصادم لأسعار النفط.

هذا مثال مؤلم يؤكد أننا جزء من الاقتصاد العالمي، -سواء أحببنا ذلك أم لا-، في وقت يبدو فيها واضحا كيف أن الاقتصادات التي تحاول عزل نفسها لا يمكن أن تنجح، فكوريا الشمالية تعطي مثالا واضحا كيف أن العزلة الاقتصادية تؤدي أزمات وخيمة وتهاوي مستويات المعيشة.

يمكن القول إن أكبر قصة اقتصادية حدثت في السنوات الخمسين الأخيرة هي اندماج الصين تدريجيا في الاقتصاد العالمي حتى أنها أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ومن المتوقع أن تتفوق اقتصاديا على الولايات المتحدة قبل العام 2030، ومرة أخرى، قد تكون لدينا مشاعر مختلطة حول هذا الموضوع، لكن الواقع يقول إن المنتجات الصينية دخلت كل منزل حول العالم، وبمستويات متنوعة جدا من الجودة والأسعار.

كان معدل النمو الاقتصادي الصيني يقفز بوتيرة كبيرة تجاوزت أحيانا الـ 10% طيلة العقود الأخيرة، وعلى مدى العقد الماضي استحوذت الصين على ثلث النمو الاقتصادي العالمي، قبل أن يتباطئ النمو خلال العامين الماضيين وتظهر تخبطات في سوق الأسهم.

المفارقة هنا هي أن الاقتصاد العالمي بات يعتمد في نموه على نمو الاقتصاد الصيني، فيما الاقتصاد الصيني يعتمد في نموه على نمو الاقتصاد العالمي، وحالة “الدجاجة والبيضة” هذه أسفرت عن حقيقة مفادها أن أي تباطؤ أو انتكاس لدى أحد الجانبين سيكون له عواقب حتمية على الطرف الآخر.

دول مجلس التعاون الخليجي معرضة بشكل خاص لهذه العواقب، لأن الكثير من اقتصادنا -وخاصة في القطاع العام- يعتمد على أسعار النفط، الذي يتأثر مباشرة بالطلب الصيني.

ومع الكميات الكبيرة من النفط الإيراني المحتمل أن تضخ في الأسواق العالمية خلال السنوات القادمة، مقابل إصرار معظم الدول المنتجة على الحفاظ على عدم خفض الانتاج، إضافة إلى دخول عدد من الدول المنتجة للنفط من خارج منظمة أوبك، واستمرار تباطؤ الاقتصاد الصيني، فقد بات مرجحا أننا مقبلين على فترة طويلة من انخفاض أسعار النفط.

ستتأثر جميع دول مجلس التعاون الخليجي من خلال هذا الواقع، لكن ربما تكون إمارة دبي التي نجحت منذ فترة طويلة في تنويع مصادر دخلها بعيدا عن النفط هي حالة استثنائية.

ونحن هنا البحرين ليس لدينا خيار سوى أن نرى هذه التحديات الاقتصادية الصعبة على أنها فرصة للابتعاد عن الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، وتعزيز الاستثمارات الاستراتيجية في السياحة والضيافة والبنية التحتية، وزيادة الجهود الرامية إلى تعزيز القطاع المصرفي والبيئة التنظيمية التجارية.

هذه التوجهات تساعد على تعزيز دور القطاع الخاص في تحقيق الازدهار الاقتصادي المنشود، ويجب علينا تشجيع أصحاب المشاريع المحلية لاستثمار هذه الفرص في إنشاء وتوسيع الأعمال التجارية، وتوظيف البحرينيين وخلق ثروة لأنفسهم وللوطن.

على امتداد الخمسة آلاف سنة الماضية، كانت البحرين مركزا اقتصاديا مزدهرا وموطنا وطريقا للتجارة الإقليمية والعالمية، ولا تزال مقومات هذا الازدهار مثل الموقع الجغرافي والكفاءات البشرية موجودة، وهذه بوادر طيبة لعبورنا القوي نحو المستقبل، ويجب أن تبقى البحرين الوجهة الإقليمية المفضلة للاستثمار، والأعمال المصرفية، والسفر والتجارة.

تكلفة الحياة في البحرين أرخص مما هي عليه في دبي والدوحة، وغالبا ما تحل البحرين في صدارة المؤشرات الاقتصادية التي تقيس جاذبية الاستثمار وسهولة ممارسة الأعمال، وثقافيا البحرين هي الأكثر تفضيلا من قبل المديرين التنفيذيين الأجانب. وإننا نشعر بالذنب عندما لا نعطي هذه المزايا وغيرها حقها.

تماما كما توسع الاقتصاد الصيني بشكل كبير من خلال التكامل مع الاقتصاد العالمي، البحرين لا يمكن أن تزدهر تماما إلا باقتناص الفرص غير النفطية التي يوفرها الاقتصاد العالمي.

وفي كل مرة يبدو واضحا أن تأثرنا بالازمات الأقتصادية العالمية يزداد، وأنه لا يمكننا الهروب تلك الأزمات في ظل الاقتصاد المعولم، لذلك لا حل أمامنا سوى أن نتعلم كيف نواجه هذه التحديات ونتأقلم معها، بل ونبحث عن الفرص التي تحملها في طياتها، ونستثمرها في تحقيق الرخاء.

هذا وقت مناسب ليقوم الاقتصاديون فيه بإعادة تقييم الخطط الاقتصادية لمملكة البحرين، ويطروحون أفكارا ومبادرات جديدة للنمو، مع التركيز على العنصر البحريني، وإعداد شبابنا بشكل صحيح لهذا العالم المعقد، والتوسع في تدريس الأعمال والاقتصاد، وبهذه الطريقة يمكننا تنشئة جيل جديد من رواد ورجال الأعمال لمواجهة أية تحديات حالية ومستقبلية وإبقاء الأعين مفتوحة على الفرص الاستثمارية.

العصر الذي تعتمد فيه البحرين والخليج العربي بشكل كامل على استخراج الثروات مثل النفط والغاز من باطن الأرض يقترب من نهايته، وإذا أردنا أن ننجح خلال القرن القادم علينا أن نتعلم كيف نصبح أمة مبدعين.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s