قيم صناعة الإعلان

Akramغالبا ما يعتقد الناس أن عالم الإعلان والتسويق يخلو من أية قيم، وهذا اعتقاد خاطئ بشكل مطلق، فكل الإعلانات تنقل ضمنا نوعا من منظومة القيم، حتى إذا كانت تروِّج لمشروب غازي بسيط تحت عبارة “انسى همومك، واشرب هذا وستصبح سعيدا”.

لذلك عندما تعلن عن المنتج الخاص بك، فأنت تعمل في ذات الوقت على التأثير على زبائنك، ولكن إذا كان الهدف هو الربح من بيع منتجات استهلاكية عبر تقديمها بأسلوب ينشر روح المتعة بين المتابعين، هل يمكن أيضا تضمين هذا الأسلوب رسائل هادفة تكرس القيم السليمة في المجتمع أيضا؟

لقد تطور العالم الافتراضي، أو السوق الافتراضي، حيث نعمل على على تعزيز الوعي بعلاماتنا التجارية بشكل غير مسبوق، ولم يعد السعر ونوعية المنتج هما المهمين فقط كما كان الحال في السابق، بل أصبحت الأهمية الأكبر تنبع من التركيز على الناحية الأخلاقية والاستدامة في بناء سمعة المنتج على المدى الطويل.

ونتيجة لهذا السوق الافتراضي الذي تحول العالم معه إلى قرية صغيرة أصبحت اهتمامات جماهير المستهلكين حول العالم لا تنصب على السلعة فقط، وإنما أيضا على مصدر هذه السلعة وهل الشركة التي تنتجها تتبنى مبادئ وقيم مشتركة معهم؟

في السنوات الأخيرة، هوت كثير من شركات الصف الأول حول العالم بعد كشف ممارساتها الضارة بالبيئة مثلا، أو انتهاجها أعمال غير أخلاقية أو انتهاكها حقوق العمال، لذلك يجب التركيز على استراتيجية ترويجية طويلة الأجل تتماشى مع مبادئ وأخلاقيات الشركة التي يجب وضعها عند التأسيس، وذلك لتعزيز وضعها أمام المنافسين وتلافي أية عقبات سلبية تتعلق بالسمعة مستقبلا.

يجب على المعلنين مراعاة ذلك إلى أقصى درجة، من حقهم التركيز على تحقيق أقصى قدر من المبيعات عبر انتاج إعلان تلفزيوني لثلاثين ثانية، لكن مع التركيز أيضا وبذات القدر من الاهتمام على وضع هذا الإعلان ضمن الأطر الأخلاقية المستدامة للشركة، والتي يجب أن تظهر وتكرَّس في كل مرة تخرج فيها إلى الجمهور.

نحن نعلم أن صورة واحدة يمكن أن تساوي ألف كلمة، لكن هل هي صورة يقتصر هدفها على دفع المستهلك لشراء المنتج بأي طريقة كانت دون النظر للعواقب؟ أم أنها صورة تراعي الأخلاق والمنطق وتحرص على تعزز ثقة الناس بالشركة والمنتج بعد أن جرى تصنيعه وفقا لأعلى المعايير الأخلاقية والبيئية؟

الرسالة الضمنية للمشروبات الغازية تريد أن تقنعك بأنك ستشعر بالرضا عن نفسك من خلال تجاهل مشاكل العالم من حولك، ولكن هل يدخل في تركيب هذا المشروب مواد طبيعية؟ وهل المصنع مقام في منطقة خالية من التلوث؟ وهل العمال يشتغلون في ظروف مريحة؟ وهل لدى الشركة التزام تجاه البيئة المحيطة؟ وهل تتحمل مسؤوليتها تجاه المجتمع الذي تعمل فيه؟

هذه كلها أسئلة التي يمكن معالجتها ضمنا في إطار حملة إعلانية متطورة لا تركز فقط على المنتج بذاته، وإنما على تعزيز روح العلامة التجارية أيضا.

عندما يستطيع المعلنون تضمين مثل تلك الرسائل في حملات ترويجية بين شرائح المستهلكين، تبدأ سمعة المنتج بخلق الزخم من تلقاء نفسها، وهذا ما يضطر الشركات المنافسة لاعتماد رسائل ذات قيم أخلاقية مستدامة أكثر، وهذا ما يعود بالخير على المجتمع ككل وليس على زيادة المبعيات والأرباح فقط.

التسويق الفعال يجب أن يعتمد حوارا مستمرا مع العملاء، والعنصر الرئيسي في هذه العلاقة هو رفع مستوى الوعي باستراتيجية الاستدامة لدى الشركة، وتثقيف الشرائح الواسعة من المجتمع عبر الصحفيين ذوي النفوذ والخبراء وقادة الرأي حول التزامات الشركة الأخلاقية ومبادئها.

وعلى المدى الطويل نحن لا نريد أن يعرف عملاؤنا الحاليون والمستقبليون كم نحن أصدقاء للبيئة مثلا، ولكن نريد أن نجذب شركاء ومؤيدين لنا يدركون أهمية الحفاظ على البيئة حتى لو كانوا ليسوا من ضمن قائمة عملائنا، ونريد أن يصبح اسم شركتنا مرادفا للمارسات البيئية السليمة.

لم يكن أبدا مفهوم العلامة التجارية مهما كما هو الآن، ويجب على الشركات التفكير وفقا لاستراتيجية طويلة الأمد لتحقيق أقصى قدر من التأثير والمصداقية للعلامتها التجارية، ويجب أن يصبح نهج الشركة تجاه الاستدامة جزءا لا يتجزأ من إدارة سمعة تلك العلامة التجارية.

كما أشرت في بداية هذا المقال، في كل مرة نتواصل فيها مع الجمهور، يتم تحميل رسائلنا إشارات ضمنية حول منظومة قيم الشركة وتوجهاتها، ويمكننا أن نؤكد بثقة الارتباط الوثيق بين الإعلان والمسؤولية الاجتماعية في عصر بات فيه على الشركات إظهار أوراق اعتمادها الأخلاقية في كل مكان.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s