اقتسام كعكة الميزانية أم الاستثمار للمستقبل؟

Mr. Akramإبان الانتخابات البرلمانية التي جرت في البحرين آواخر العام الفائت شاهدنا معظم المرشحين يغدقون الوعود على ناخبيهم ويشرحون لهم المكاسب المادية الكبيرة التي سيحققونها لهم.

تحسين مستوى المعيشة، ورفع الأجور، وعلاوة الغلاء، ودعم الإسكان والصحة والتأمين ضد البطالة، ومخصصات ذوي الاحتياجات الخاصة، واستحقاقات التقاعد، وزيادة دعم السلع الأساسية، وغير ذلك من الوعود التي تدور جمعيها في حلقة واحدة: اقتناص أكبر قدر مستطاع من الأموال الحكومية وتوزيعها على المواطنين.

لا شك أن نوايا المرشحين كانت طيبة، ودافعهم لإطلاق هذه الوعود هو معرفتهم بمدى التحديات التي تواجه شرائح واسعة من ذوي الدخل المحدود، أو منعدمي الدخل أساسا، ولكن جميع تلك الوعود وصلت إلى طريق مسدود في ضوء الوضع الراهن صعب بعد انهيار عائدات النفط إلى أقل من النصف وتآكل حجم الميزانية العامة.

ونتيجة لذلك حافظت الميزانية الأخيرة على الحد الأدنى من دعم أصحاب المعاشات الضعيفة، وتمويل مشاريع الإسكان، ولكن الإنجاز الحقيقي كان الاتفاق على ميزانية إن لم تزد في مكتسبات المواطنين العاديين فإنها لم تنقص منها على الأقل، ولكن أي دينار إضافي على الميزانية لا يمكن الحصول عليه إلا من خلال المزيد من الاقتراض وبالتالي استمرار تصاعد حجم الدين العام.

لطالما سمعنا أحاديث عن ضرورة تنويع مصادر الدخل بعيدا عن عائدات النفط، لكن لا يمكن أن يتحقق هذا على المدى الطويل وأن نعود إلى حالة الازدهار إلا من خلال إجراء إعادة فهم إيديولوجية وشاملة لدور الدولة.

طوال القرن العشرين كانت البحرين مثالا كلاسيكيا للاقتصاد الريعي ذي القطبين: النفط والحكومة، حيث تدفقت أموال النفط في الخزانة العامة للدولة التي قدمت بدورها السكن المجاني والتعليم المجاني والرعاية الصحية المجانية، ونظام واسع من الدعم الاجتماعي، بالتوازي مع الإنفاق الهائل على البنية التحتية العامة.

لسنا الآن بصدد الدخول في تفاصيل ذلك، فقد أصحبت تلك الحقبة من المال السهل وراءنا الآن، فيما مفتاح ازدهار البحرين مستقبلا يكمن في القطاع غير النفطي – ولا سيما القطاع الخاص.

تدرك الحكومة ذلك جيدا، وهي أطلقت مشاريع بنية تحتية كبيرة، مع ضخ استثمارات ليست بالقليلة لتطوير قطاعات السياحة والخدمات المصرفية والضيافة والتصنيع وغيرها.

في هذه السياق يمكن التأكيد حق النواب في التماس زيادة مدفوعات الرعاية الاجتماعية لشرائح المجتمع ذات الحاجة الماسة لها، ولكن توفير الأموال اللازمة لهذه المبادرات الطيبة يعتمد على صحة الاقتصاد.

وبعبارة أخرى: بدلا من الضغط على الحكومة لتوزيع المزيد من الأموال مجانا على الناس، على النواب الضغط أولا من أجل مزيد من الإنفاق على الأساسيات التي من شأنها تعزيز صحة الاقتصاد، بما يضمن ازدهار مستدام للجميع.

وكما قلت في وقت إن هذا لا يعني التدابير الحمائية الضارة بالاقتصاد على المدى الطويل، بدلا من ذلك، يجب أن نرى مبادرات مثل التدريب المهني، ودعم الأعمال الجديدة، وتحديث البنية التحتية، وتحسين التنظيم، وتشجيع الاستثمار، ودعم الشركات البحرينية لدخول الأسواق الخارجية.

يجب أن نتجاوز عقلية اقتصاد النفط التي تقول إن الدولة توفر كل شيء، وهي المسؤولة أولا وأخيرا عن المواطن، عندما توفر له المستشفى المجاني الذي سيولد فيه، والتعليم المجاني بجميع مراحله، والوظيفة عند التخرج، والراتب التقاعدي، وأخيرا المستشفى المجاني الذي سيتوفى فيه.

لقد كانت الحكومة البحرينية حكيمة عندما رفعت سقف الاقتراض بحذر، وبادرت إلى اتخاذ آليات من اجل الحد من تفاقم الدين العام الذي تحول إلى “كرة ثلج ملتهبة”، خاصة بعد أن اصبحت حجم فوائد الدين العام لوحدها توازي ميزانية الإسكان، وانخفض التصنيف الإئتماني للبحرين إلى –BBB، وزادت صعوبة الحصول على دائنين بفوائد معقولة في سوق الاستدانة العالمي.

الوضع المزري لليونان هو ناقوس خطر يجب أن نصغي له في البحرين عندما نفكر بالاقتراض من أجل تغطية بند المصروفات الحكومية المتكررة، ولا يجوز، وليس من حقنا أن نورِّث أبنائنا الديون، بما يرغمهم على العيش في ظل مناخ قاس من التقشف، لدفع ثمن تجاوزات مالية ارتكبناها نحن.

لا يوجد مسار غير مؤلم لإصلاح الدعم، إلا أن أكثر الطرق الواعدة هي التدابير التي يتعين تنفيذها في سياق سياسات حازمة لدعم النمو الاقتصادي وزيادة الرخاء العام.

إن نظم البحرين في التعليم والرعاية الصحية هي إنجازات كبرى تحتذى، كما تنتهج المملكة خطا ثابتا لتصبح وجهة مفضلة للسياحة الصحية والدراسة الجامعية، وهذا يحقق فائدة للجميع، وخاصة المواطن البحريني، الذي سيحصل على خدمات صحية وتعليمية أفضل، وتتوسع أمامه مصادر الدخل.

لا أحد منا يريد في نهاية المطاف أن يعتمد على المساعدات الحكومية، فمن الأفضل بكثير الحصول على وظيفة في القطاع الخاص براتب جيد، لا أن يكون من ضمن من يعيشون على الإعانات والفوائد ومدفوعات الرعاية والدعم الاجتماعي.

ينبغي لنا أن نتحلى بوجهة نظر أبعد حول ما نريده من الدولة، إن مسؤولية الدولة الأولى هي بناء أسس اقتصاد قوي، وإطلاق مشاريع مختلفة، وتشجيع الصادرات، وبيئة تقديم الخدمات، بما يحقق في نهاية المطاف الرخاء للجميع.

نحن جميعا نريد تحسين مستوى المعيشة، ولكن يجب أن يكون لدينا وعي أكبر بمسؤوليتنا، كحكومة ونواب ومواطنين، إزاء وضع أسس نهضة اقتصادية قوية مستدامة، تحقق الخير لنا ولأطفالنا من بعدنا، وتؤسس لقطاع خاص قوي يجلب الازدهار والاستقرار والرفاه للبحرين.

الإعلان
بواسطة akmiknas

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s