نعيش في عصر السلالات والأسر السياسية حول العالم، في ستينيات القرن الماضي كان هناك في الولايات المتحدة الأمريكية الرئيس جون كنيدي وهو سليل عائلة تمرست في السياسة، واليوم هناك احتمال أن تكون الانتخابات الأميريكية المقبلة بين هيلاري كلينتون زوجة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون وجيب بوش وهو ابن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش (الأب) وأخو الرئيس السابق جورج دبليو بوش، كما أنه الأخ الأكبر لحاكم ولاية فلوريدا الأسبق جب بوش، وحفيد عضو مجلس الشيوخ برسكت بوش.
في بيريطانيا هناك إد ميليباند الذي هزم شقيقه ديفيد وفاز برئاسة “حزب العمال”، وفي فرنسا كان هناك صراع مرير بين جان ماري لوبان وابنته مارين على زعامة اليمين المتطرف.
ويظهر هذا الاتجاه بشكل أكثر وضوحا في دول جنوب آسيا حيث هيمنت أجيال متعاقبة من عائلات مثل بوتو وغاندي على الحياة السياسة لعقود من الزمن.
بعض العامة من الناس لا ينظر بعين الرضا إلى هذا العائلات السياسية، على افتراض أن تبادل أفرادها لمراكز مختلفة في السلطة هو شيء غير ديمقراطي. رغم ذلك، ربما يجدر بنا أن نفكر قليلا بخلفيات ظهور هذه السلالات السياسية وما تعنيه بالنسبة للحياة السياسية للأمة.
عندما يكبر الاطفال في رعاية لأب (أو أم) سياسي بارز، فأنهم يعيشون ويتنفسون السياسة منذ أول يوم في حياتهم، وفيما هم يلعبون بالدمى في حجرتهم، تلتقي الشخصيات السياسية القوية في الحجرة المجاورة، كما يسمعون تفاصيل قضايا معقدة تجري مناقشتها خلا مائدة الإفطار، والأحاديث الهاتفية للكبار في البيت تناقش الأزمات السياسية الكبرى.
نقول في مجتمعاتنا “الولد سر أبيه”، و”من شابه أباه ما ظلم”، ويحدث كثيرا أن يعمل أبناء تاجر الحديد والخردوات أو البقال في مهنة أبيهم وجدهم، حتى أن صفات المهن، مثل اللحام والخياط والنجار، أُطلقت على العائلة بأكملها، وإذا نظرنا إلى أوروبا وأمريكا في القرنين 18 و19 سنجد أن السياسة كانت شأنا أسريا، حيث أن أبناء المستشارين والنواب ورؤساء البلديات والدبلوماسيين وموظفي الخدمة المدنية في كثير من الأحيان يشغلون عندما يكبرون مناصب مشابهة، وذلك بعد أن عاشوا وتنفسوا أعمال الحكومة منذ سن مبكرة.
لكن هذا لا يعني أن أبناء السياسيين العظام سيكونون بالضرورة سياسيين عظام، لكن تبقى لديهم فرصة أكبر بكثير للشغل بالسياسة من نظرائهم الذين تربوا في بيوت لا تتعاطى بالشأن العام.
وبالطبع هذه هي طريقة عمل النظام الملكي، وفي كثير من الأنظمة الملكية تعني ولادة الابن البكر أنه سيأخذ مكانه في ترتيب ولاية العرش، ويدرك الجميع حجم المسؤوليات الجسام التي ستلقى على كاهله، لذلك تبدأ الاستعدادات لتهيئته سياسيا وفكريا وعسكريا واجتماعيا للنهوض بهذه المسؤولية منذ الطفولة.
والحقيقة هي أنه في معظم أنحاء العالم شكَّلت الأسرة الملكية أو السياسية النظام الأكثر فعالية لضمان الاستقرار والازدهار والاستمرارية.
وعبر التاريخ، كان الحاكم السيء هو الحاكم الضعيف، الذي لا يستطيع أن يضمن الاستمرارية والاستقرار لبلده، ويعجز عن إنقاذه من بوادر الفتنة والفوضى، كما يحدث الآن في دول مجاورة.
المفاهيم السياسية الحديثة في معظمها تؤكد أهمية الاستمرارية والاستقرار، خاصة بعد ما يسمى الربيع العربي 2011، الذي أصاب جمهوريات يفترض أنه يسودها ما يسمى بـ “التداول السلمي للسلطة”، لكن النتيجة كانت الفوضى والدمار، وصعود قوى سياسية متصارعة للسيطرة على الدولة.
وعلى مدى القرن الماضي أو نحو ذلك، شهد العالم في كثير من الحالات عملية انتقال من الأنظمة الملكية التقليدية إلى ملكيات دستورية، أي التي يسودها القانون وليس سلطة الملك المطلقة.
وفي عهد جلالة الملك حمد بين عيسى آل خليفة كانت البحرين أيضا جزء من عملية التحول نحو ملكية دستورية، مع برلمان منتخب في قلب هذه الرؤية السياسية والمشروع الإصلاحي.
الملكية الدستورية تضمن الاستقرار والاستمرارية، ولكن بطريقة مختلفة نوعا ما، في ظل سلطة تشريعية، وسلطة تنفيذية، وقضائية، وإعلام حر ومؤسسات مجتمع مدني، فيما يبقى الملك هو الضامن للاستمرارية والاستقرار، وهي حقيقة لا تغيير عندما يتم تسليم السلطة في نهاية المطاف الى خليفته المشروعة.
كما رأينا في مناطق مختلفة من العالم، انهارت الاستمرارية السياسية مع انهيار الأنظمة الحاكمة ما تسبب بكوارث لملايين المدنيين، حدث ذلك في ليبيا واليمن والعراق وأفغانستان ومصر وسوريا، حتى أن صدام حسين كان كارثة على الشعب العراقي وجيرانه، ولكن الكارثة الحقيقية حدثت للعراق بعد سقوط نظام صدام حسين من السلطة.
ولن يكون مستغربا بقاء دول سوريا والعراق واليمن تعاني نتيجة الأحداث المأساوية التي تعيشها الآن لخمسين سنة قادمة، هذا إن بقيت هذه الدول على قيد الحياة أصلا.
فيما الملكيات الدستورية مثل بريطانيا والسويد والمغرب والبحرين، تستمد الكثير من شرعيتها الشعبية من التقاليد السياسية الراسخة، هذه الملكيات تتمتع بالعديد من الضوابط والتوازنات لضمان استجابة رأس السلطة لرغبات الشعب.
لا يوجد نظام سياسي مثالي يرضي الجميع، ولكن الواقع هو أن النظام الملكي الدستوري أثبت فعاليته في كثير من المجتمعات، من بينها مجتمعات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي ينعم شعبها بالأمن والازدهار في ظل إصلاحات قد تكون بطئية على الصعيد السياسي لكنها سريعة جدا على الصعيد الاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
لقد انهارت العديد من الأنظمة الحاكمة في منطقتنا بين عشية وضحاها، وجر ذلك الويلات على الشعوب، لذلك نحن محقَّين في حماية وتطوير ملكيتنا الدستورية كنظام استطاع على الدوام توفير الأمن والرفاهية لمواطنيه.